الثلاثاء، 15 يوليو 2008

الذين سبقونا

قراءة في فكر الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب
الدعامــــــة الأولى : تحقيق مفهوم التوحيد :
لقد أراد الشيخ رحمه الله أن يوقظ الأذهان، وينبهها إلى أهمية تحقيق مفهوم التوحيد في حياتنا، وكان لابد للشيخ أن يشرح حقيقة "لا إله إلا الله" بعد أن ضاع مفهومها الصحيح واختفي خلف غيامات البدع والضلالات، فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وسره الأعظم، ومتى تحققت في قلب العبد تخلص من كل ما سوى الله ـ تعالى ـ فخلص قلبه لله تعالى.
وقد قسم الشيخ ـ رحمه الله ـ التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : توحيد الربوبية وهو الذي أقر به الكفار على زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يدخلهم في الإسلام، وهو التوحيد بفعله تعالى
"قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ " .
القسم الثاني : توحيد الإلوهية وهو التوحيد الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه ، وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدعاء ، والنذر ، والنحر ، والرجاء ...الخ ، ولقد ركز الشيخ ـ رحمه الله ـ في دعوته على تحقيق توحيد الإلوهية لأن الخلل كان قد تسرب إلى هذا النوع من التوحيد خاصة ، وقد اعتبر الشيخ أن التوحيد والعبادة قرينان ، بل إن العبادة هي التوحيد ، وركز الشيخ على الجانب القلبي من مفهوم العبادة كالخوف والتوكل والإنابة والخشية ...الخ لأن الخلل إنما ينشأ عندما يصرف الإنسان هذه العبادة القلبية إلى غير الله من الأموات ، أو الأوثان ، أو الأحجار ... الخ فيسألهم بما يسأل به المولى سبحانه وتعالى .
وهذا ما صدم الشيخ ـ رحمه الله ـ عندما وجد الناس قد نصبوا أحجاراً وأوثاناً يعتقدون فيها النفع والضر ناهيك عما يحدث عند القبور والمشاهد من اعتقاد النفع والضر في الأموات.
كما اجتهد الشيخ ـ رحمه الله ـ من أجل تحقيق التوحيد في تقرير مسألة التحليل والتحريم التي هي حق محض لله ـ تعالى ـ لا ينبغي لأحد أن يشركه فيه كائناً من كان ، ويقول الشيخ في أسى وحزن :

" تغير الأحوال إلى هذه الغاية حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار: هي العلم والفقه، ثم تغيرت الحال إلى أن عبد الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين ".
لقد بذل الشيخ جهداً ضخماً من أجل تحقيق مفهوم التوحيد من جديد بعد أن استقرت مفاهيم باطلة في أذهان الناس، واعتبروها أنها الدين الذي لا يجوز الخروج عليه، ووجدت شعائر ومراسم ـ ما أنزل الله من سلطان ـ مورست على أنها الدين وما هي بذلك فكان لابد من جهد ضخم كالذي بذله الشيخ .
الدعــامــة الثانــية : محاربة مظــاهر الشــرك :
وكان لابد من استكمال المشروع الإصلاحي الذي خطه الشيخ، وذلك بتوضيح مظاهر الشرك وإبرازها والتحذير منها، وقد قسم الشيخ الشرك إلى أربعة أنواع:
النوع الأول : شرك الدعوة : والدليل قوله تعالى
: " فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ " .
النوع الثاني: شرك النية والإرادة والقصد.. والدليل قوله تعالى: " مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ".
النوع الثالث : شرك الطاعة والدليل قوله تعالى : " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " .
النوع الرابع : شرك المحبة والدليل قوله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ " .
ومن المظاهر الشركية التي حاربها الشيخ " الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله" كالالتجاء إلى القبور والأوثان المنصوبة وما شابههما، والسؤال عندها دفع الضر أو تحصيل المصلحة، أو استجلاب الرزق يقول الشيخ ـ رحمه الله: ".. ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله".
ويدعو الشيخ إلى معرفة الرجال بالحق لا العكس، كيلا يغتر إنسان بعلم فلان أو زهده فيحمله ذلك على متابعته على خطأه وضلاله فيقول الشيخ: " وأنت ترى المشركين من أهل زماننا ، ولعل بعضهم من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة إذا مسه الضر قام يستغيث بغير الله مثل معروف الكرخى ، أو عبد القادر الجيلانى وأجل من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير وأجل من هؤلاء مثل رسول الله .... فالله المستعان "
ولا ينسى الشيخ أن ينبه على أمور من الأفعال والأقوال هي ذرائع إلى الشرك وأبواب مفتوحة له عمد الشارع ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى التحذير منها والنهي عنها حفظاً لجناب التوحيد وصيانة له من دخائل الشرك وحبائله فنراه في كتاب "التوحيد" يعقد الأبواب التالية :
باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
باب : ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده ؟!.
باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله.
باب : ما جاء في حماية المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
كل هذه أمور تبين مدى ما كان يتمتع به الشيخ من حس مرهف تجاه هذه القضايا المصيرية، وأوضحت مدى ما كان يتمتع به الشيخ من إلمام بأهداف الإسلام ومراميه العظمى من حيث إنه خاتم الأديان التوحيدية وجاء للقضاء على كل مظاهر الشرك وسد ذرائعه حتى يعبد الله وحده لا شريك له .
بقت قضية هامة تتعلق بنظرة الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى من يتلبس بهذه الأعمال الشركية... هل يحكم بتكفيره عيناً ؟ أم أن الحكم العام لا ينسحب على المعين إلا بعد إقامة الحجة ؟
..وهو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله .
عماد حمدي ناصف

ليست هناك تعليقات:

The Admin

The Admin
Emad Hamdy

الإسلام قادم