الثلاثاء، 29 يوليو 2008

من الوصايا النبوية (جوامع الكلم)


السواك صيدلية متكاملة في جيبك

من آداب الإسلام اليومية استعمال السواك، وهو سنة مستحبة في جميع الأوقات، ولكنه في خمسة أوقات أشدّ استحبابًا: عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير رائحة الفم.
وتحصُل السنة بكل مُزيل للصُّفرة من الأسنان سواء كان عودًا من شجر الأراك ونحوه أو الفرشاة المعروفة حاليًا.
وقال العلماء والمستحب أن يَستاك عرضًا ولا يَستاك طُولًا لئلَّا يُدميَ لحم أسنانه.
ويستحب أن يُمِرَّ السواك أيضًا على أطراف أسنانه وأضراسه وسقف حلقه إمرارًا لطيفًا.
ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن.
وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد باب "الطب النبوي" :
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم :( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم : (كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) .
وفي صحيح البخاري تعليقاً عنه صلى الله عليه وسلم : (السواك مظهرة للفم مرضاة للرب) وفي صحيح مسلم : (أنه كان إذا دخل بيته، بدأ بالسواك) . و الأحاديث فيه كثيرة , وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر ، و صح عنه أنه قال : (أكثرت عليكم في السواك) .
وأصلح ما اتخذ منه السواك من خشب الأراك و نحوه، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة، فربما كانت سامة، وينبغي القصد في استعماله، فإن بالغ فيه، فربما أذهب طلاوة الأسنان و صقالتها، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة و الأوساخ، ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان، و قوي العمود، ومنع الحفر " التسوس " و طيب النكهة، ونقى الدماغ، وشهى الطعام .
وأجود ما استعمل مبلولاُ بماء الورد، ومن أنفعه أصول الجذور، قال صاحب التيسير :" زعموا أنه إذا أستاك به المستاك كل خامس من الأيام، نقى الرأس وصفى الحواس، وأحد الذهن" .

وفي السواك عدة منافع :
يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، و يجلو البصر، و يذهب بالحفر " التسوس"، و يصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، و يسهل مجاري الكلام، و ينشط للقراءة والذكر والصلاة، و يطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، و يكثر الحسنات .
ويستحب في كل وقت، ويتأكد عند الصلاة وعند الوضوء، والانتباه من النوم، وتغير رائحة الفم، و يستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه، و لحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله . وفي السنن : عن عامر بن ربيعة رضي اتلله عنه، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي .يستاك أول النهار و آخره.


1- المرجع/ موقع شبكة الأخبار العربية -محيط

الاثنين، 28 يوليو 2008

الدولة الصفوية في إيران


التاريخ والمنهاج

ليس من قبيل المبالغة القول إن قيام الدولة الصفوية في إيران شكّل كارثة لإيران والعالم الإسلامي معاً، إذ ظلت إيران قرابة تسعة قرون تتبع مذهب أهل السنة والجماعة، فكانت الصبغة السنية واضحة في جميع ألوان النشاط البشري لأهلها، وهو ما مكّن هذا القُطر من المساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية بواسطة علمائها، أمثال: البخاري، ومسلم، وسيبويه، والفراهيدي، والبيروني، وغيرهم. لكن بقيام الدولة الصفوية في إيران؛ تغيّر مسار النشاط البشري فيها تغيُّراً جذرياً في جميع مجالات الحياة: العقدية، والفكرية، والفنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ووُجّه الإيرانيون إلى وجهة مغايرة تتسم بالعداء الصارم لكل ما له صلة بأهل السنة. فقد كان قيام هذه الدولة مقترِناً بالقضاء على مذهب أهل السنة في إيران، كما تزامن مع ارتكاب مذابح ومظالم بحقهم، والتضييق عليهم في أغلب عهود الحكم الصفوي. كما أن التعصب المذهبي أوقع الصفويين في محذور عقدي؛ وهو التحالف مع الدول النصرانية في أوروبا؛ أملاً في إضعاف الدولة العثمانية السنية التي كانت تقود الجهاد ضد الصليبيين؛ رافعةً راية الإسلام، فاتحةً القسطنطينية، غازيةً في أوروبا، مما أضعف الفتوحات الإسلامية في هذه الجهة وأعاقها. وفي المقابل، رحب الصفويون بإقامة النصارى في بلادهم وعاملوهم بكل احترام وتقدير، ووثّقوا صِلاتهم الاقتصادية بالدول النصرانية في أوروبا، وسمحوا للتجار الأجانب بِحُرية الحركة في المدن الإيرانية، ومنحوهم الامتيازات التجارية، مما شجع على ازدياد النفوذ الأوروبي في منطقة الخليج، حيث مهّدوا له الطريق بعقد التحالفات العسكرية والتجارية مع البرتغاليين والهولنديين والإنجليز، فكان عهدهم بامتياز هو عهد إدخال قوى الاستعمار الأوروبي في هذه المنطقة. وهكذا نلاحظ موقف الرافضة في إيران من السنّة في هذا البلد أو في البلاد العثمانية، على أنهم أشد خطراً عليهم من أي عدو آخر، فنكّلوا بأهل السنّة في إيران، وجاهروا العثمانيين بالعداء، بينما أظهروا الود والموالاة للدول الأوروبية النصرانية والنصارى المقيمين في إيران. وقامت السياسة الصفوية على هذا الأساس طوال مدة حكمهم التي استمرت أكثر من قرنين من الزمان من سنة 907هـ (1507م) إلى 1148هـ (1735م).
• المعـاملة السيئـة لأهـل السنـة
:بعد دخول إسماعيل الصفوي مدينة تبريز؛ أصر على أن كل من يخالف التشيع ويرفضه؛ فإن مصيره القتل؛ حتى ذُكِر له أن عدد سكان تبريز السُّنة لا تقل نسبتهم عن الثلثين (65%)
[1]؛ فقال: إن من يقول حرفاً واحداً؛ فإنه سيسحب سيفه ولن يترُك أحداً يعيش. وقد روي أن عددَ مَنْ قُتِلوا في مذبحة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص، ومورس ضد السكان السنَّة أبشع أنواع القتل والتنكيل، حيث قُطِّعت أوصال الرجال والنساء والأطفال ومُثِّل بالجثث
[2].وبعد هزيمته للأوزبك في محمود آباد - وهي قرية تبعد قليلاً عن مرو - سنة 916هـ /1510م؛ أعمل إسماعيل الصفوي القتلَ في أهل مرو، وأمضى فصل الشتاء في هراة، وأعلن فيها المذهب الرافضي مذهباً رسمياً، على الرغم من أن أهالي هذه المناطق كانت تدين بالمذهب السني. كما سعى تعصُّباً إلى إنشاء عدد من المدارس لتدريس مذهبه ونشره بين الناس
[3].وكان الشاه عباس الأول أيضاً شديدَ الحرص على نصرة المذهب الرافضي، مما دفعه للبطش بالمخالفين وإلحاق الأذى والضرر بهم، وبخاصة أهل السنة. وكان عباس هذا ينتقم من أهل السنة متى واتته الفرصة لذلك. وقد وصل العداء به إلى درجة أنه حاول إقناع الإيرانيين بالتخلي عن الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، والاكتفاء بزيارة قبر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مشهد؛ وذلك لأن الواجب القومي - في زعمه - يحتِّم عدم سفر الإيرانيين إلى مكة عبر أراضي العثمانيين السنة؛ حتى لا يدفعوا لهذه الدولة المعادية رسمَ عبور
[4].ويعلِّل رولان موسينيه هذا التصرف بالحيلولة دون خروج الذهب من البلاد
[5].ولكي يرغِّب قومه في هذه الفكرة؛ كان عباس الأول يكثر من التردد على مشهد وزيارة قبر الإمام الثامن بها. كما أن سيْرَه على الأقدام من أصفهان إلى مشهد كان وسيلة من وسائل ترغيبهم في تقليده والحج إلى ذلك المزار القبوري، بدلاً من التوجه إلى الكعبة المشرفة في مكة
[6]. ولذلك اعتاد الفرس أن يحجوا إلى مشهد بدلاً من الحج إلى مكة المكرمة
[7].وكانت المعاملة السيئة التي عامل بها الأكرادَ الإيرانيين مرجعُها بالدرجة الأولى إلى تبعية هؤلاء الأكراد للمذهب السني، وعدم قبولهم الدخول في مذهب الرافضة، مما جعلهم هدفاً لغضبه وحقده، ووصل الأمر في تعنّته معهم إلى درجة التشريد في البلاد، ونقلَ عدداً كبيراً منهم من كردستان إلى خراسان، وسبّب لهم ألماً نفسياً وإحساساً بالظلم والغربة والتشرد
[8].وكان الشاه عباس الأول قاسي القلب، خشناً مع الأسرى السنَّة من العثمانيين والأوزبك. وكان أقل عقاب يوقع عليهم إن لم يُقتلوا هو سَمْل عيونهم. ولم يكن يصفح عن أي أسير منهم إلا إذا أعلن تخلّيه عن المذهب السني ودخوله في المذهب الرافضي
[9].وقد نقل جلال الدين محمد اليزيدي (المنجِّم الخاص) للشاه عباس في كتابه «تاريخ عباسي» العديدَ من مظاهر تعنته مع أهل السنة، منها: - أنه نزل في عام 1008هـ (1599م) ببلدة سمنان؛ وبسبب تطاول حاكمها عليه وعدم امتثال أهلها لقوانينه؛ اعتُقِل عدد كبير من أهل السنة بها، وأمر عباس بإطعام عـوامهـم بآذان علمـائهم وأنوفهم، ثم حصّـل 300 تومان منهم تكفيراً لجرمهم!
[10] - وفي عام 1018هـ (1609م)، بلغه أن حاكم مدينة همذان - ويدعى (محمود الدباغ) وهو سني المذهب - كان يؤذي الشيعة هناك، فأمر بإلقاء القبض عليه والفتك به، ولكن محموداً اختفى، فأصدر الشاه أمراً مؤداه: إذا لم يظهر محمود الدباغ في ظرف ثلاثة أيام، فسيُقتل كل أفراد القبائل السنية في المدينة، ويُستولى على أموالهم ونسائهم وأطفالهم، وأخيراً ألقي القبض على الدباغ وأُعدِم
[11]. - وفي عام 1020 هـ (1611م)، زار عباس قبر الشيخ زاهد الجيلاني مرشد جده صفي الدين الأردبيلي، وتصدق بأموال طائلة، وأمر أن توزع على خدام القبر وزواره؛ بشرط ألا يقدَّم منها شيء لأي سني، كما قام بلعنهم
[12].وعلى العموم، فإن الصفويين الذين أقاموا دولة فارسية رافضية متعصبة في إيران؛ حاربوا أهل السنة الذين كانوا أكثرية في البلاد بكل الوسائل المتاحة لهم. • تشجيع رعايا الدول النصرانية في أوروبا على القـدوم إلى إيران واحتـرامهم وإكرامهم:بدأ هذا التشجيع منذ عهد إسماعيل الأول، وبلغ أَوْجَه في عهد الشاه عباس الأول. فـفي رسالة بعثها البوكيرك - الحاكم البرتغالي في الهند - إلى الشاه إسماعيل الأول جاء فيها: «إني أقدّر لك احترامك للنصرانيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند. وإذا أردت أن تنقضَّ على بلاد العرب أو تهاجم مكة؛ فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة، وسيجدني الشاه بجانـبه على امـتداد الساحل الفـارسـي، وسـأنفـذ له كل ما يريد»!
[13].كما أن الصفويين في شخص عباس الأول شجّعوا لأول مرة بناءَ الكنائس، وأطلقوا العنان للمنصّرين والقسس ليفسدوا في بلاد المسلمين وليرفعوا رايات الشرك والضلال. وقد تساهل شاه عباس الأول تساهلاً لم يُسبق له نظير مع النصارى، وأصدر مرسوماً إلى رعاياه يؤكد فيه أنهم أصدقاؤه وحلفاء بلاده، وأنه يأمرهم باحترامهم وتبجيلهم وإكرامهم أين حلوا. كما فتح بلاده للتجار الإفرنج، وأوصى ألا تؤخذ الرسوم على بضائعهم، وألا يتعرض لهم أحد من الحكام أو الأهالي بسوء. وقد اشتهر هذا السلطان بحسن معاملته للنصرانيين من كافة الأجناس
[14].ويرى شاهين مكاريوس أنه أول من فعل مثل ذلك من سلاطين المسلمين في بلاد إيران
[15].وقد أرسل ملوك أوروبا رسلَهم وتجارهم لزيارة إيران وعقد معاهدات سياسية وصفقات تجارية مع الشاه عباس الأول؛ لتوفير كل متطلبات الأمن والراحة لهؤلاء الأوروبيين
[16].وفي عهد هذا الشاه، جاء اثنان من أكابر الإنجليز إلى إيران، وهما: أنتوني شرلي (SheRly) وأخوه روبرت شرلي، ومعهما خمسون فارساً، فأمر عباس باستقبالهم وإكرامهم، وقرّبهم منه وأجزل لهم العطايا. فحين وصلت هذه البعثة الإنجليزية إلى قزوين والشاه عباس موجود في خراسان؛ أصدر أوامره إلى عماله في قزوين بأن يحسنوا وِفادتهم، ويبالغوا في إكرامهم حتى يعود إلى قزوين، فوجد حين عاد جميع أعضاء البعثة يقفون على مشارف المدينة مع مستقبليه من كبار رجال الدولة الصفوية، فصافحهم وصحبهم إلى داخل قزوين، وأَنعم عليهم بإنعامات كثيرة، منها: مائة وأربعون من الخيل، ومائة بغل، ومائة جمل، ومبلغ عظيم من المال، ثم صحب أفراد البعثة معه إلى العاصمة أصفهان، حيث قضوا في ضيافته ستة أشهر
[17].واستشار كبيرَهم أنتوني شرلي في أمر الحرب مع العثمانيين، فأشار عليه بتعليم جنوده مبادئ العسكرية، وبالتحالف مع دول أوروبا ضد السلطنة العثمانية، فرضي الشاه بقوله، وانتدبه سفيراً لينوب عنه أمام حكومات أوروبا في هذا الأمر، وأصدر (فرماناً) بذلك يدل على ثقته التامة بهذا الرجل الإنجليزي الذي صار من أعظم المقربين إليه
[18].وفي عهد الشاه عباس الثاني (1642 - 1666م)؛ منح الناسَ حرية الأديان، وتمتع الأوروبيون في أيامه بالحرية وبنعمة السلطان، فكان تجارهم أدنى مجلساً منه ويروون الأمور عنه
[19].وهكذا نلاحظ في عصر الصفويين علاقات وثيقة مع الكفار، وانسجاماً وتفاهماً معهم، واحتراماً متبادلاً، ومودة ومحبة! مع العلم بأن الولاء والبراء أصل من أصول الاعتقاد، وركن من أركان توحيد الألوهية، وعروة من عُرى الإيمان، مما يعني عدم التساهل فيه على الإطلاق مهما كانت الدوافع؛ فالله - عز وجل - نهى المسلمين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ} [المائدة: ١٥]. بل جعل - سبحانه وتعالى - اتخاذ الكافرين أولياءَ وعدمَ البراءة منهم، صفةً من صفات المنافقين، وسبباً في دخول النار وتبوّء الدرك الأسفل منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا * إنَّ الْـمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: ٤٤١ - ٥٤١].
• تـوطيد العـلاقة مع الكنيسة الكـاثوليكية فـي روما والتعـاطف الشـديد مع نصارى إيــران:ومن الذين اتصل بهم الشاه عباس بابا روما، وحاول عن طريقه حثّ ملوك أوروبا النصارى على وحدة الكلمة والتعاون مع إيران للقضاء على الدولة العثمانية، كما اهتم البابا من جانبه بتوطيد علاقاته بالشاه عباس تدعيماً لموقف النصارى في إيران. وقد أرسل البابا عدة رسائل إلى عباس يوصيه فيها بحسن معاملة نصارى إيران والسماح لهم ببناء الكنائس وإقامة الطقوس النصرانية. ومن الرسائل المهمة التي تبين حرص البابا على تعميق هوة الخلاف بين الشاه عباس الأول والعثمانيين؛ تلك الرسالة التي أرسلها البابا بولس الخامس مع وفْدٍ وصل إلى إيران ليهنِّئ الشاه عباس بانتصاره على الأوزبك السُّنّة، ويحرضه على محاربة العثمانيين.
ومن النقط الهامة الواردة في هذه الرسالة ما يلي :
1 - كم يتمنى البابا إضعافَ الدولة العثمانية، وكم يأمل في التعاون مع جميع القوى الراغبة في تحقيق هذا الأمل! وسيجتهد في استنفار جميع الملوك النصارى للاتحاد بينهم؛ كي يقوموا بهجمة مشتركة ضد الدولة العثمانية من الغرب، في حين يقوم الشاه عباس بهجمة أخرى من الشرق.
2 - يعد البابا بإرسال المهندسين والخبراء العسكريين للعمل من أجل تقوية جيش إيران. 3 - يرغب البابا في إنشاء سفارة في كلٍّ من أصفهان وروما؛ للإشراف على توطيد العلاقات بين الطرفين.
4 - يأمل البابا من شاه إيران أن يُحْسِن معامـلة نصارى إيران، وكذلك النصارى الأجانب، وألاّ يعاقب من يعتنق الدين النصراني (أي المرتدين من المسلمين)، وألاّ يجبر النصارى على التخلي عن دينهم (أي الدخول في الإسلام)
[20] .وهكذا نجحت الكنيسة الكاثوليكية في حمل الشاه عباس الأول على التعاطف الشديد مع نصارى إيران، وكذلك نصارى أوروبا الذين كانوا يفِدون إلى إيران، إذ كانت لديه القابلية النفسية لهذا التعاطف. كما جعلوه يوافق على بناء الكنائس في أصفهان وغيرها من المدن الإيرانية، بل إنه أمر ببناء كنيسة في جلفا على نفقته الخاصة
[21].كما أنه سمح للبعثات التنصيرية بالقدوم إلى إيران، ومنحها حرية الحركة والتنصير. وقد أدى هذا إلى ارتداد بعض الإيرانيين عن الإسلام، ومنهم عدد من مستشاري الشاه عباس، بل إنه أدّى إلى اتهام بعضهم الشاه عباس نفسَه بالميل إلى النصرانية. كما أدى تعاطفه مع البعثات التنصيرية إلى أن عرض عليه أحد القساوسة الدخولَ في الدين النصراني، فردّ عليه الشاه قائلاً: لِنترُك هذا إلى وقت آخر
[22]!وكان الشاه عباس الأول حريصاً على التعاطف مع النصارى في كل مناسبة، والاشتراك معهم في احتفالاتهم الدينية، ولو أدى ذلك إلى الإقدام على أفعال تتجافى مع روح العقيدة الإسلامية. ففي عام 1018هـ (1609م) أرسل إلى بلاد الكرج؛ لإحضار عدد من الخنازير ليقدِّمها هدية لنصرانيي جلفا في عيدهم، ثم ذهب بعد ذلك لتهنئتهم بالعيد، وشاركهم احتساءَ الخمر، وأمر جميع مرافقيه من رجال البلاط الصفوي باحتساء الخمر مشاركةً للنصارى في هذه المناسبة، على الرغم من توافق ذلك العيد النصراني مع اليوم الخامس عشر من رمضان، ثم قال موجِّهاً حديثَه إلى أحد قساوستهم: «عندما تذهب إلى روما وتمثُل أمام البابا؛ أخبره كيف شربت الخمر في نهار رمضان، وأن ذلك في محضر القاضي والمفتي، وكيف جعلت الجميع يشربون الخمر، وقل له: إنه على الرغم من أنني لست نصرانياً؛ فإنني جدير بالتقدير والاحترام»
[23].وهكذا وقَع الشاه في عدد من المخالفات العقدية، وهي: تهنئة المشركين بعيدهم، ومشاركتهم في احتفالهم، وشرب المسكر، وانتهاك حرمة الصيام، والمجاهرة بالفسق، والتبجح بإكراه مرافقيه على ارتكاب المعصية. ومن البدهي أن المشابهة في الهَدْيِ الظاهر تورِث نوعَ مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر
[24].وقد ورد النهي في الحديث الشريف عن التشبُّه بالكفار، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من تشبّه بقوم فهو منهم»
[25]، وعن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «اجتنبوا أعداء الله في دينهم»
[26].ومعلوم أن الأعياد من أخص ما تتميز به الأديان والشرائع، والموافقة فيها للكفار قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه
[27].ومن مظاهر تعاطف الشاه عباس مع النصارى، حرصُه على زيارة الكنائس ولقاء القساوسة، والتباحث معهم في أمور دينهم، ومشاهدة مراسمهم الدينية وسماع مواعظهم وترانيمهم، حتى أصبح على دراية بكثير من تعاليم النصرانية
[28].ولأجل ذلك يمكن القول: إن الشاه عباس ارتكب هذه الأفعال الشنيعة نظراً للمغالاة في تعاطفه مع نصارى إيران، حتى عُدَّ عهده عصراً ذهبياً بالنسبة إليهم، ولرغبته في إرضاء نصارى أوروبا الذين كان يلهث وراء التقرب منهم، على أمل أن يساعدوه في حربه ضد العثمانيين السنّة. ونتيجة لتعاطفه الشديد مع النصارى؛ طلبت منه الكنيسة الكاثوليكية السماحَ لقساوستها بإعادة النصارى الذين اعتنقوا الإسلام إلى النصرانية مرةً أخرى، فقبِل الشاه عباس هذا الطلب. ومثال ذلك: ما حدث مع أحد غلمانه ويدعى (ألكسندر)؛ فقد استطاعت الجماعات التنصيرية إعادته إلى النصرانية بعد أن كان قد أعلن إسلامه من قبل
[29].فكيف يقبل عباس هذا الطلب، ولم يطالب هو الآخر ملكَ إسبانيا بإعادة المرتدين الثلاثة الذين كانوا ضمن بعثته الدبلوماسية إلى أوروبا؟!ولكن ينبغي الإشارة ها هنا إلى أن تعاطف هذا السلطان الصفوي مع النصارى إلى حد كبير هو العامل المؤثر في ردة بعض رجال بلاطه. ولم يقف عباس عند حد التعاطف القلبي مع النصارى والركون إليهم، بل إنه تمنى أن يرى جميع المساجد في البلاد العثمانية قد تحولت إلى كنائس؛ في المقولة التي وجهها إلى المبعوث الإسباني (أنتوني دي جوفا) وهو يحضه على محاربة العثمانيين: «كم أتمنى أن أرى في أقصر وقت ممكن جميع مساجد الأتراك وقد تحولت إلى كنائس! وكل أملي أن أرى سقوط الخلافة العثمانية وخرابها!»
[30].إن أغلى أمنية لديه - كما صرح - أن يرى الصليبيين الأوروبيين قد غزوا بلاد المسلمين واحتلوها، وانتصروا عليهم، وحوّلوا مساجدهم إلى كنائس، مما يعني ظهور دين الصليب وأفول نجم الإسلام. وهذا الموقف يدل دلالة واضحة على مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين، وإظهار المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهذه من أخص صفات المنافقين والمرتدين. ومـن نافـلة القول: أن الرافضة عُرفوا - على مدار التاريخ - بالكيد للسنة وأهلها ومظاهرة الأعداء عليهم، والحزن لظهور أهل السنة وعلوِّهم، والفرح بانهزامهم وانكسارهم. وقد كشف ابن تيمية عن موقفهم هذا بقوله: «... فالرافضة يوالون من حارب أهل السنة والجماعة، ويوالون التتار، ويوالون النصارى. وقد كان بالساحل بين الرافضة وبين الفرنج مهادنة، حتى صارت الرافضة تحمل إلى قبرص خيلَ المسلمين وسلاحهم، وغلمانَ السلطان وغيرَهم من الجند والصبيان. وإذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المآتم والحزن، وإذا انتصر التتار على المسلمين أقاموا الفرح والسرور...»
[31].ولكن على الرغم من سقطاته وزلاته الكبيرة وأخطائه الفادحة؛ فإن الإيرانيين حتى اليوم يعتبرون الشاه عباس الأول بطلاً قومياً استطاع أن يرفع من شأن وطنه ويجسد آمال الإيرانيين ويحقق أهدافهم، وبخاصة الانتصار على أعدى أعدائهم؛ العثمانيين السنة. أليس من الإنصاف إذاً الإطلاق على الإيرانيين المعاصرين أنهم الصفويون الجدد؟ ذلك أن الأفكار والمواقف التي كانت تهيمن على السابقين؛ هي نفسها التي توجه الحاضرين! فالتشيع ليس إلا واجهة لتحقيق أهدافهم القومية المرتكزة على العنصر الفارسي؛ وإلا فكيف نفسر حرمان الشيعة الأذريين في إيران من حقوقهم الثقافية والسياسية ودعم النظام الإيراني للأرمن النصارى المحتلين لـ 20 ٪ من أراضـي جمـهوريـة أذربيـجان؟! هـذا الاحـتلال الذي شرّد ما يقرب من مليون مسلم أذري لا ينتظرون الدعم من إيران، وإنما يدعونها باسم الإسلام للكف عن مؤازرة المحتلين الأرمن لأراضيهم. وكذلك كيف نفسر تآمر الجمهورية الإسلامية في إيران على طالبان وتواطؤها مع الأمريكان لإسقاط حكومتهم في كابل، بينما تقدِّم الدعم للفرس في أفغانستان وهم سنّة دون غيرهم من المسلمين! وهو موقف لا يمكن تفسيره إلا بأمر واحد، وهو: أن المهم بالنسبة إلى نظام الآيات أو الملالي في إيران هو العنصر الفارسي وليس الدين أو المذهب كما يدّعي، مما يكشف زيف شعاراته وادعاءاته. وفي الختام، إن الحكومة العراقية الحالية المتحالفة مع الأمريكان المحتلين، بسبب ما ترتكبه من جرائم بحق أهل السنة في العراق من خلال أجهزتها الأمنية والميليشيات الرافضية المتعاونة معها، التي تكونت منها الحكومة العراقية مثل: فيلق بدر، وحزب الدعوة، وجُلّ جيش المهدي؛ تذكرنا بالدولة الصفوية التي اقترن قيامها بالقضاء على مذهب السنة في إيران، بعد أن كان معظم أهل هذا البلد من السنة. وعرف عنها في التاريخ - كما مرّ بنا سابقاً - ارتكاب الصفويين مذابح يندى لها الجيش بحق أهل السنة في عهد إسماعيل الأول، ومعاملتهم إبّان حكم سلاطين هذه الدولة المتعصبة معاملةً سيئة وهم المسلمون، بينما حظي النصارى وهم الكفار بالاحترام والتقدير والتبجيل، وراح الشاهات يغدقون إنعاماتهم بسخاء على التجار النصارى! وأمّنوا لهم ممارسة شعائرهم الدينية بِحُرية، وعمدوا إلى التحالف مع المماليك الأوروبية ضد السلطنة العثمانية السنية؛ أملاً في إسقاطها، وإعاقة الفتوحات الإسلامية في أوروبا! والآن يعيد التاريخ نفسه؛ إذ نرى أن الحكومة الرافضية في العراق قد رهنت بلادها لإيران التي أحيا حكامُها بعد الثورة على الشاه كلَّ ما فعله الصفويون، ووضعت يدها في أيدي المحافظين أو الصليبيين الجدد، وتمارس ما مارسه أسلافها الصفويون بالأمس الدابر من خيانة وعمالة وظلم، وسفك دماء الأبرياء بغير حق، وتهجير العائلات والعشائر السنية من مناطقها. إن حكام العراق الجدد بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد المسلم؛ قد سيطروا على مفاصل الدولة العراقية بحماية القوات الأمريكية، ويستهدفون بمشروعهم القومي الصفوي الفارسي المستتر بالدين والمذهب؛ عقيدةَ أهل السنة في العراق ووجودهم ومقدساتهم وثرواتهم. على أن حملات الإبادة لأهل السنة في كثير من مدن العراق وقراه وبواديه؛ ترمي إلى تصفية الوجود السني في بلاد الرافدين. وهذا يتطابق مع ممارسات أسلافهم الصفويين الذين تعصبوا للعنصر الفارسي، وسعوا لفرض هويتهم القومية الفارسية في إيران على حساب أهل السنة الذين كانوا يشكلون قبلَ قيام هذه الدولة معظمَ سكان إيران.
المراجع
[1] عبد الله الغريب: وجاء دور المجوس، ص 80، (بتصرف).
[2] أحمد الخولي: الدولة الصفوية، ص 51.
[3] فوزي توكر: الصفويون، شبكة المعلومات الدولية، موقع قوقل
(Google). [4] بديع محمد جمعة: الشاه عباس الكبير، ص 101، (بتصرف).
[5] القرنان 16 - 17م (تاريخ الحضارات العام) بإشراف موريس كروزيه، ج 4، ص574.
[6] بديع محمد جمعة: الشاه عباس الكبير، ص 102.
[7] رولان موسينيه: القرنان: 16 - 17م (تاريخ الحضارات العام) ج 4، ص 574.
[8] محمد أمين زكي: تاريخ الكرد وكردستان، ص 102.
[9] محمد بديع جمعة: الشاه عباس الكبير، ص 103. سَمَلَ العين: فقأها.
[10] المصدر السابق، ص102 (نقلاً عن تاريخ عباسي، ص 37 وما بعدها).
[11] المصدر السابق، ص 104 (نقلاً عن تاريخ عباسي، ص 37 وما بعدها).
[12] المصدر السابق، ص 104(نقلاً عن تاريخ عباسي، ص 37 وما بعدها).
[13] زكريا بيومي سليمان: قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين، ص63.
[14] شاهين مكاريوس: تاريخ إيران، ص 154 - 156.
[15] المرجع السابق، ص 154.
[16] محمد بديع جمعة: الشاه عباس الكبير، ص 216.
[17] عباس إقبال: تاريخ إيران قبل الإسلام، ص 671، ومحمد بديع جمعة: شاه عباس الكبير، ص 250، (مصدره: رضا بازوكي: تاريخ إيران إزمغول تا أفشاريه، ص 320، طهران، 1334هـ ).
[18] شاهين مكاريوس، تاريخ إيران، ص 154 - 156.
[19] المرجع السابق، ص 158.
[20] محمد بديع جمعة: الشاه عباس الكبير، ص 271 - 272، (مصدره: أحمد تاج بخش: إيران درزمان صفويه، ص 220 - 241، تبريز، 1340هـ ).
[21] المرجـع السـابـق، ص107، (مصــدره : أحمد تاج بخش: إيران درزمان صفويه، ص 254 - 255).
[22] المرجع السابق، ص 276 - 277.
[23] المرجع السابق، ص 294 (مصدره: نصر الله فلسفي: زندكاني شاه عباس، ج 2، ص 264).
[24] شاهين مكاريوس، تاريخ إيران، ص 154 - 156.
[25] أخرجه أبو داود في السنن، ج 4، ص 314، رقم 4031. وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير: صحيح؛ ج 2، ص 1059، رقم 6149.
[26] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم، ج 1، ص 513.
[27] المصدر السابق، ج 1، ص 528.
[28] محمد بديع جمعة: شاه عباس الكبير، ص 107، (مصدره: نصر الله فلسفي: زندكاني شاه عباس أول، ج 3، ص 72).
[29] المرجع السابق، ص 294، (مصـدره نصر الله فلسفي: زندكاني شاه عباس أول، ج 3، ص 81 - 84).
[30] المرجع الـسابـق، ص 295، (مصدره: نصر الله فلسفي: زندكاني شاه عباس أول، ج 4، ص 15).
[31] ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ج 28، ص 336 - 337.

عماد حمدي ناصف

الثلاثاء، 22 يوليو 2008

رجال من التاريخ الإسلامي

سعيد بن جبير رحمه الله

كان الحجاج بن يوسف الثقفي من الولاة الظالمين الغاشمين ، وقد عمت سيئاته الأمة بأسرها .كان خالد بن عبد الملك القسري واليا على مكة ، وقد خُبِّرَ بوجود سعيد بن جبير فى ولايته ، فأراد أن يتخلص منه ، فألقى القبض عليه واعتقله ، وأرسل إلى الحجاج الظالم ودخل الإمام على الظالم.
قال الحجاج : ما اسمك ؟
قال سعيد : سعيد بن جبير.
الحجاج : بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد : بل كانت أمي أعلم باسمي منك.
الحجاج : شقيت أمك وشقيت أنت.
قال سعيد : الغيب يعلمه الله.
الحجاج : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى.
قال سعيد : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.
الحجاج : فما قولك في محمد؟
قال سعيد : نبي الرحمة وإمام الهدى.
الحجاج : فما قولك في علي أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد : لو دخلت وعرفت من فيها ، عرفت أهلها.
الحجاج : فما قولك في الخلفاء؟
سعيد : لست عليهم بوكيل.
الحجاج : فأيهم أعجب إليك؟
سعيد : أرضاهم لخالقي.
الحجاج : فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم.
الحجاج : أحب أن تصدقني.
سعيد : إن لم أحبك لن أكذبك.
الحجاج : فما بالك لم تضحك؟
سعيد : وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار!!!
الحجاج : فما بالنا نضحك؟
سعيد : لم تستو القلوب.
ثم أمر الحجاج بالذهب والفضة واللؤلؤ والزبرجد فجمعه بين يديه.
فقال سعيد : إن كنت جمعته لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شئ من الدنيا إلا ما طاب وزكا .ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد.
فقال الحجاج : ما يبكيك أهو اللعب؟
قال سعيد : هو الحزن ، أما النفخ فذكرني يوما عظيماً يوم ينفخ في الصور ، وأما العود فشجرة قطعت من غير حق !! وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة !!!
فقال الحجاج : ويلك ياسعيد.
فقال سعيد : لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة.
قال الحجاج : اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك؟
قال سعيد : اختر أنت لنفسك فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.
قال الحجاج : أتريد أن أعفو عنك؟
قال سعيد إن كان العفو فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.
قال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه ، فلما خرج ضحك فأخبر الحجاج بذلك ، فردوه إليه.
قال الحجاج : ما أضحكك؟
قال سعيد : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك.
فأمر بالنطع فبسط ، وقال اقتلوه.
قال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج : وجهوا به لغير القبلة.
قال سعيد : فأينما تولوا فَثَمَّ وجه الله.
قال الحجاج : كبوه على وجه.
قال سعيد : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى.
قال الحجاج : اذبحوه.
قال سعيد : والسكين على رقبته وقد استسلم لقضاء الله : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة ، اللهم لا تسلطه على أحد يقتله من بعدي.
وعاش الحجاج بعده أيام قلائل ، قيل ثلاثة وقيل خمسة ، وقيل خمسة عشر ، وقيل أكثر من ذلك ، فسلط الله على الحجاج البرودة حتى كان والنار حوله يضع يده فى الكانون فيحترق الجلد ولا يحس بالحرارة ووقعت الأكلة في داخله والدود ، فبعث إلى الحسن البصري فقال : أما قلت لك لا تتعرض للعلماء ؟ قتلت سعيداً !!!
ويقال : إنه كان في مرضه كلما نام رأى سعيداً آخذاً بمجامع ثوبه يقول له ياعدوا الله فيم قتلتني ؟ فيستيقظ مذعوراً فيقول مالي وسعيد بن جبير ، فسبحان الله الحليم الكريم يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } (البقرة : 144) ، { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } (إبراهيم : 42)
قتل رحمه الله 95 هـ . رحمه الله تعالى ورضي عنه.
أعرض عن الهجران والتمادي *** وارحل لمولى منعم جــواد
ما العيش إلا في جواره ســارة *** قد شربوا من خالص الوداد

وصدق القائل :
خذوا كل دنياكم واتركوا *** فؤادي حراً وحيداً غريبـــــا
ًفـإني أعظمــكم دولـــــة *** وإن خلتموني طريداً سليبـــا
عماد حمدي...

الأحد، 20 يوليو 2008

واحة الشعر

أماه........
أماه يا نبع الحنــــــــــــــــان تحية ** وإليـــك مــن فيض الجنـــان سلامـــــا
وسكبت من أجل الصغار مدامعـــا ** حفرت على الوجــــــــه الحبيب مقامـا
كم بات جفنك بالليالى ســــــــاهرا ** واذقتنى طعم الحنان طعـــــــــــــــامــا
وغفرت يا أماه كل مســــــــــــاءة ** منى و كان الصفح منــــك دوامـــــــــا
وبذلت عمرك للصغير تمامــــــــه ** حتى غدا للراكعين إمــــــــــــامــــــــا
وغدت بيوت الله تعرف خطــــوته ** ولدينه حمل الهموم عظــــــــامـــــــــا
وغدوت يا اما ليثـــــــــا إن دعـــا ** دينى لبأس لا أهــــــــــاب رحـــــــاما
أماه لن يكفى الكلام تحـــــــــــــية ** أبدا و لو سقت البحــــــــار كـــــــلاما
لو كان يكفيك الكلام تحيــــــــــــة ** لسجنت من سحر البيـــان ســــــلامــا
أولست من وهبت كرائم عمرهـــا ** لنكـــــــون فى ركب الأنــــــــام كراما
أولست من ذاق الفؤاد حنانـــــــها ** وفرشت لى مهد الحنـــــــــــــان منامـا
والله يا خير الأحبـــــــــــــة إننـى ** أرجـو اللقاء أقبـــــــــــل الأقدامـــــــــا
فالله أسال أن تجازى عنـــــــــــده ** خير الجـــــزاء وترجى الإنعـــــــــــام
والله اسأل أن تكـــــــــــــون عنده ** بجوار أحمد مغنـــــما و مقــــــــــــامـا
عماد حمدي...

السبت، 19 يوليو 2008

السلفية هي الفهم الصحيح للإسلام


الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
السلفية ليست فهم شخص من الأمة للإسلام غيرِ معصوم.
السلفية ليست مجرد اعتقاد السلف ـرضي الله عنهم.
السلفية ليست امتثال الهدي الظاهر وحده.
السلفية منهج حياة متكامل، وصياغة للحياة كما لو كان السلف الصالح -وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون الخيرية- يعيشون في زماننا.
السلفية عقائد، وأخلاق، وآداب، وأعمال، وأقوال، موافقة لما كان عليه سلف الأمة.
السلفية هي الامتداد الطبيعي للإسلام الخالي من البدع، والشبهات والشهوات.
فإن قال قائل: ولماذا لا يكفي اسم الإسلام؟ (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(الحج: 78)، فالجواب كان يكفي اسم الإسلام لو لم تفترق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كما أخبر المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، لكن لما افترقت الأمة، وظهرت فيها البدع التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لابد لمن تمسك بهدي الجماعة الأولى وما كانت عليه أن يتميز باسم ومنهج. كما قيل للإمام أحمد: "ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام الله ونسكت فقال: كان هذا يسع من قبلنا". أي: قبل ظهور قول المعتزلة بأن القرآن مخلوق.
فكان يكفي المسلم أن يقول القرآن كلام الله، ولكن بعد ظهور البدعة لا يكفيه ذلك حتى يقول القرآن كلام الله غير مخلوق.
فاسم الإسلام كان يكفي عندما كانت الأمة جماعة واحدة، وقبل ظهور البدع.

قال عبد الله بن مسعود: "إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم ستُحدِثُون ويُحدَثُ لكم، فإذا رأيتم محدَثةً فعليكم بالعهد الأول".
وقال الإمام مالك: "لم يكن شيء من هذه الأهواء، على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان".
فالبدع ظهرت في آخر عهد الصحابة -رضي الله عنهم- مصداقاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلا فاً كثيراً)(رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
ولذا لما سئل عبد الله بن المبارك عن الجماعة. فقال: "أبو بكر وعمر. فقيل قد مات أبو بكر وعمر. فقال: فلان وفلان. فقيل: قد مات فلان وفلان، فقال: أبو حمزة السكري جماعة".
فالسلفية هي التمسك بهدي الجماعة الأولى التي أمامها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنحن ننتسب إلى هذه الجماعة عبر القرون والأجيال، ففي الصفوف الأولى منها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وبقية العشرة، وأهل بدر وأهل الحديبية، ومنها أئمة الفقه، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وأئمة التفسير كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن كثير، وغيرهم من الذين حافظوا على عقيدة الصحابة، وفهم الصحابة للكتاب والسنة والذين نفضوا الغبار عن منهج أهل السنة والجماعة، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب، ومحمد بن عبد الوهاب والألباني وابن باز -رحم الله الجميع-، وجمعنا بهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
كتبه فضيلة الشيخ أحمد فريد

الأربعاء، 16 يوليو 2008

حوار مع الشيطان

حاورت الشيطان الرجيم في الليل البهيم فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد فقال لي :عليك ليل طويل فارقد.
قلت: أخاف أن تفوتني الفريضة
قال :الأوقات طويلة عريضة
قلت: أخشى ذهاب صلاة الجماعة
قال: لا تشدد على نفسك في الطاعة
فما قمت حتى طلعت الشمس ...
فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات فاليوم كله أوقات
وجلست لآتي بالأذكار ففتح لي دفتر الأفكار
فقلت: أشغلتني عن الدعاء
قال: دعه إلى المساء
وعزمت على المتاب ،
فقال: تمتع بالشباب!
قلت: أخشى الموت
قال: عمرك لا يفوت ...
وجئت لأحفظ المثاني
قال: روّح نفسك بالأغاني
قلت: هي حرام
قال: لبعض العلماء كلام!
قلت: أحاديث التحريم عندي في صحيفة
قال: كلها ضعيفة
ومرت حسناء فغضضت البصر
قال: ماذا في النظر؟
قلت: فيه خطر
قال: تفكر في الجمال فالتفكر حلال
وذهبت إلى البيت العتيق فوقف لي في الطريق ..
فقال: ما سبب هذه السفرة ؟
قلت: لآخذ عمرة
فقال: ركبت الأخطار بسبب هذا الاعتمار وأبواب الخير كثيرة والحسنات غزيرة
قلت: لابد من إصلاح الأحوال
قال: الجنة لاتدخل بالأعمال
فلما ذهبت لألقي نصيحة ..
قال: لا تجر إلى نفسك فضيحة
قلت: هذا نفع العباد
فقال: أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد
قلت : فما رأيك في بعض الأشخاص؟
قال : أجيبك على العام والخاص
قلت : أحمد بن حنبل؟
قال : قتلني بقوله عليكم بالسنة والقرآن المنزّل
قلت : فابن تيمية؟
قال : ضرباته على رأسي باليومية
قلت : فالبخاري؟
قال : أحرق بكتابه داري
قلت : فالحجاج ؟
قال : ليت في الناس ألف حجاج فلنا بسيرته ابتهاج ونهجه لنا علاج
قلت : فرعون ؟
قال : له منا كل نصر وعون
قلت : فصلاح الدين بطل حطين؟
قال : دعه فقد مرغنا بالطين
قلت : محمد بن عبدالوهاب؟
قال : أشعل في صدري بدعوته الالتهاب وأحرقني بكل شهاب
قلت : أبوجهل؟
قال : نحن له أخوة وأهل
قلت : فأبو لهب ؟
قال : نحن معه أينما ذهب !
قلت : فلينين؟
قال : ربطناه في النار مع استالين
قلت : فالمجلات الخليعة ؟
قال : هي لنا شريعة
قلت : فالدشوش ؟
قال : نجعل الناس بها كالوحوش
قلت : فالمقاهي ؟
قال : نرحب فيها بكل لاهي
قلت : ما هو ذكركم؟
قال : الأغاني
قلت : وعملكم؟
قال : الأماني
قلت : وما رأيكم بالأسواق ؟
قال : علمنا بها خفاق وفيها يجتمع الرفاق
قلت : فحزب البعث الاشتراكي ؟
قال : قاسمته أملاكي وعلمته أورادي وأنساكي
قلت : كيف تضلّ الناس ؟
قال : بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات
قلت : كيف تضلّ النساء ؟
قال : بالتبرج والسفور وترك المأمور وارتكاب المحظور
قلت : فكيف تضلّ العلماء؟
قال : بحب الظهور والعجب والغرور وحسد يملأ الصدور
قلت : كيف تضلّ العامة ؟
قال : بالغيبة والنميمة والأحاديث السقيمة وما ليس له قيمة
قلت : فكيف تضلّ التجار ؟
قال : بالربا في المعاملات ومنع الصدقات والإسراف في النفقات
قلت : فكيف تضلّ الشباب ؟
قال : بالغزل والهيام والعشق والغرام والاستخفاف بالأحكام وفعل الحرام
قلت : فما رأيك بدولة اليهود (اسرائيل) ؟
قال : إياك والغيبة فإنها مصيبة واسرائيل دولة حبيبة ومن القلب قريبة
قلت : فأبو نواس؟
قال : على العين والرأس لنا من شعره اقتباس
قلت : فأهل الحداثة؟
قال : أخذوا علمهم منا بالوراثة
قلت : فالعلمانية؟
قال : إيماننا علماني وهم أهل الدجل والأماني ومن سماهم فقد سماني
قلت : فما تقول في واشنطن؟
قال : خطيبي فيها يرطن وجيشي فيها يقطن وهي لي وطن
قلت : فما رأيك في الدعاة ؟
قال : عذبوني وأتعبوني وبهذلوني وشيبوني يهدمون ما بنيت ويقرءون إذا غنيت ويستعيذون إذا أتيت
قلت : فما تقول في الصحف ؟
قال : نضيع بها أوقات الخلف ونذهب بها أعمار أهل الترف ونأخذ بها الأموال مع الأسف قلت : فما تقول في هيئة الإذاعة البريطانية ؟
قال : ندخل فيها السم في الدسم ونقاتل بها بين العرب والعجم ونثني بها على المظلوم ومن ظلم
قلت : فما فعلت في الغراب ؟
قال : سلطته على أخيه فقتله ودفنه في التراب حتى غاب
قلت : فما فعلت بقارون ؟
قال : قلت له احفظ الكنوز يا ابن العجوز لتفوز فأنت أحد الرموز
قلت : فماذا قلت لفرعون ؟
قال : قلت له يا عظيم القصر قل أليس لي ملك مصر فسوف يأتيك النصر
قلت : فماذا قلت لشارب الخمر ؟
قال : قلت له اشرب بنت الكروم فإنها تذهب الهموم وتزيل الغموم وباب التوبة معلوم
قلت : فماذا يقتلك ؟
قال : آية الكرسي منها تضيق نفسي ويطول حبسي وفي كل بلاء أمسي
قلت : فما أحب الناس اليك ؟
قال : المغنون والشعراء الغاوون وأهل المعاصي والمجون وكل خبيث مفتون
قلت : فما أبغض الناس اليك ؟
قال : أهل المساجد وكل راكع وساجد وزاهد عابد وكل مجاهد
قلت : أعوذ بالله منك فاختفى وغاب كأنما ساخ في التراب وهذا جزاء الكذاب !
عماد حمدي ناصف

الثلاثاء، 15 يوليو 2008

الذين سبقونا

قراءة في فكر الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب
الدعامــــــة الأولى : تحقيق مفهوم التوحيد :
لقد أراد الشيخ رحمه الله أن يوقظ الأذهان، وينبهها إلى أهمية تحقيق مفهوم التوحيد في حياتنا، وكان لابد للشيخ أن يشرح حقيقة "لا إله إلا الله" بعد أن ضاع مفهومها الصحيح واختفي خلف غيامات البدع والضلالات، فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وسره الأعظم، ومتى تحققت في قلب العبد تخلص من كل ما سوى الله ـ تعالى ـ فخلص قلبه لله تعالى.
وقد قسم الشيخ ـ رحمه الله ـ التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : توحيد الربوبية وهو الذي أقر به الكفار على زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يدخلهم في الإسلام، وهو التوحيد بفعله تعالى
"قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ " .
القسم الثاني : توحيد الإلوهية وهو التوحيد الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه ، وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدعاء ، والنذر ، والنحر ، والرجاء ...الخ ، ولقد ركز الشيخ ـ رحمه الله ـ في دعوته على تحقيق توحيد الإلوهية لأن الخلل كان قد تسرب إلى هذا النوع من التوحيد خاصة ، وقد اعتبر الشيخ أن التوحيد والعبادة قرينان ، بل إن العبادة هي التوحيد ، وركز الشيخ على الجانب القلبي من مفهوم العبادة كالخوف والتوكل والإنابة والخشية ...الخ لأن الخلل إنما ينشأ عندما يصرف الإنسان هذه العبادة القلبية إلى غير الله من الأموات ، أو الأوثان ، أو الأحجار ... الخ فيسألهم بما يسأل به المولى سبحانه وتعالى .
وهذا ما صدم الشيخ ـ رحمه الله ـ عندما وجد الناس قد نصبوا أحجاراً وأوثاناً يعتقدون فيها النفع والضر ناهيك عما يحدث عند القبور والمشاهد من اعتقاد النفع والضر في الأموات.
كما اجتهد الشيخ ـ رحمه الله ـ من أجل تحقيق التوحيد في تقرير مسألة التحليل والتحريم التي هي حق محض لله ـ تعالى ـ لا ينبغي لأحد أن يشركه فيه كائناً من كان ، ويقول الشيخ في أسى وحزن :

" تغير الأحوال إلى هذه الغاية حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار: هي العلم والفقه، ثم تغيرت الحال إلى أن عبد الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين ".
لقد بذل الشيخ جهداً ضخماً من أجل تحقيق مفهوم التوحيد من جديد بعد أن استقرت مفاهيم باطلة في أذهان الناس، واعتبروها أنها الدين الذي لا يجوز الخروج عليه، ووجدت شعائر ومراسم ـ ما أنزل الله من سلطان ـ مورست على أنها الدين وما هي بذلك فكان لابد من جهد ضخم كالذي بذله الشيخ .
الدعــامــة الثانــية : محاربة مظــاهر الشــرك :
وكان لابد من استكمال المشروع الإصلاحي الذي خطه الشيخ، وذلك بتوضيح مظاهر الشرك وإبرازها والتحذير منها، وقد قسم الشيخ الشرك إلى أربعة أنواع:
النوع الأول : شرك الدعوة : والدليل قوله تعالى
: " فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ " .
النوع الثاني: شرك النية والإرادة والقصد.. والدليل قوله تعالى: " مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ".
النوع الثالث : شرك الطاعة والدليل قوله تعالى : " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " .
النوع الرابع : شرك المحبة والدليل قوله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ " .
ومن المظاهر الشركية التي حاربها الشيخ " الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله" كالالتجاء إلى القبور والأوثان المنصوبة وما شابههما، والسؤال عندها دفع الضر أو تحصيل المصلحة، أو استجلاب الرزق يقول الشيخ ـ رحمه الله: ".. ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله".
ويدعو الشيخ إلى معرفة الرجال بالحق لا العكس، كيلا يغتر إنسان بعلم فلان أو زهده فيحمله ذلك على متابعته على خطأه وضلاله فيقول الشيخ: " وأنت ترى المشركين من أهل زماننا ، ولعل بعضهم من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة إذا مسه الضر قام يستغيث بغير الله مثل معروف الكرخى ، أو عبد القادر الجيلانى وأجل من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير وأجل من هؤلاء مثل رسول الله .... فالله المستعان "
ولا ينسى الشيخ أن ينبه على أمور من الأفعال والأقوال هي ذرائع إلى الشرك وأبواب مفتوحة له عمد الشارع ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى التحذير منها والنهي عنها حفظاً لجناب التوحيد وصيانة له من دخائل الشرك وحبائله فنراه في كتاب "التوحيد" يعقد الأبواب التالية :
باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
باب : ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده ؟!.
باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله.
باب : ما جاء في حماية المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
كل هذه أمور تبين مدى ما كان يتمتع به الشيخ من حس مرهف تجاه هذه القضايا المصيرية، وأوضحت مدى ما كان يتمتع به الشيخ من إلمام بأهداف الإسلام ومراميه العظمى من حيث إنه خاتم الأديان التوحيدية وجاء للقضاء على كل مظاهر الشرك وسد ذرائعه حتى يعبد الله وحده لا شريك له .
بقت قضية هامة تتعلق بنظرة الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى من يتلبس بهذه الأعمال الشركية... هل يحكم بتكفيره عيناً ؟ أم أن الحكم العام لا ينسحب على المعين إلا بعد إقامة الحجة ؟
..وهو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله .
عماد حمدي ناصف

من علوم الحديث

تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم,

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كذب على فليتبوا مقعده من النار) قال الإمام النووى فى شرح مسلم : ‏ فهو حديث عظيم في نهاية من الصحة و قيل إنه متواتر ذكر أبو بكر البزار في مسنده أنه رواه عن النبي عليه السلام نحو من أربعين نفسا من الصحابة - رضي الله عنهم – و حكى الإمام أبو بكر الصيرفي في شرحه لرسالة الشافعي - رحمهما الله - أنه روى عن أكثر من ستين صحابيا مرفوعا و ذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن منده عدد من رواه فبلغ بهم سبعة و ثمانين ثم قال : و غيرهم , و ذكر بعض الحفاظ أنه روي عن اثنين و ستين صحابيا و فيهم العشرة المشهود لهم بالجنة , قال : و لا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة إلا هذا و لا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيا إلا هذا , و قال بعضهم : رواه مائتان من الصحابة ثم لم يزل في ازدياد و قد اتفق البخاري و مسلم على إخراجه في صحيحيهما من حديث علي والزبير وأنس وأبي هريرة وغيرهم وأما إيراد أبي عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين حديث أنس في أفراد مسلم فليس بصواب , فقد اتفقا عليه ‏و أما لفظ متنه فقوله صلى الله عليه وسلم :‏( فليتبوأ مقعده من النار ) ‏قال العلماء : معناه فلينزل : و قيل فليتخذ منزله من النار , و قال الخطابي : أصله من مباءة الإبل و هي أعطانها ثم قيل : إنه دعاء بلفظ الأمر أي بوأه الله ذلك , و كذا فليلج النار , وقيل : هو خبر بلفظ الأمر أي معناه : فقد استوجب ذلك فليوطن نفسه عليه , ويدل عليه الرواية الأخرى ( يلج النار ) وجاء في رواية ( بني له بيت في النار ) . ثم معنى الحديث : أن هذا جزاؤه وقد يجازى به , وقد يعفو الله الكريم عنه ولا يقطع عليه بدخول النار , و هكذا سبيل كل ما جاء من الوعيد بالنار لأصحاب الكبائر غير الكفر , فكلها يقال فيها هذا جزاؤه وقد يجازى وقد يعفى عنه , ثم إن جوزي وأدخل النار فلا يخلد فيها ; بل لا بد من خروجه منها بفضل الله تعالى ورحمته و لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد . و هذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة. ‏‏و الكذب فهو عند المتكلمين من أصحابنا : الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو , عمدا كان أو سهوا , هذا مذهب أهل السنة , وقالت المعتزلة : شرطه العمدية و دليل خطاب هذه الأحاديث لنا , فإنه قيده عليه السلام بالعمد لكونه قد يكون عمدا و قد يكون سهوا , مع أن الإجماع والنصوص المشهورة في الكتاب و السنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسي , فلو أطلق عليه السلام الكذب لتوهم أنه يأثم الناسي أيضا فقيده . ‏‏وأما الروايات المطلقة فمحمولة على المقيدة بالعمد . والله أعلم ‏‏و اعلم أن هذا الحديث يشتمل على فوائد و جمل من القواعد : ‏‏إحداها : تقرير هذه القاعدة لأهل السنة أن الكذب يتناول إخبار العامد و الساهي عن الشيء بخلاف ما هو . ‏‏الثانية : تعظيم تحريم الكذب عليه صلى الله عليه و سلم و أنه فاحشة عظيمة و موبقة كبيرة و لكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله . هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف .
‏ثم إن من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا في حديث واحد فسق و ردت روايته كلها و بطل الاحتجاج بجميعها , فلو تاب و حسنت توبته , فقد قال جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل و أبو بكر الحميدي شيخ البخاري و صاحب الشافعي وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعيين و أصحاب الوجوه منهم و متقدميهم في الأصول والفروع : لا تؤثر توبته في ذلك و لا تقبل روايته أبدا , بل يحتم جرحه دائما , و أطلق الصيرفي و قال : كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب و جدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك , قال : و ذلك مما افترقت فيه الرواية و الشهادة و لم أر دليلا لمذهب هؤلاء و يجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا و زجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه و سلم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره و الشهادة , فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة . قلت : و هذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية و المختار القطع بصحة توبته في هذا , و قبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة , و هي الإقلاع عن المعصية و الندم على فعلها و العزم على أن لا يعود إليها فهذا هو الجاري على قواعد الشرع , و قد أجمعوا على صحة رواية من كان كافرا فأسلم و أكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة , و أجمعوا على قبول شهادته و لا فرق بين الشهادة و الرواية في هذا
‏الثالثة : أنه لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام و ما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب و المواعظ وغير ذلك فكله حرام من أكبر الكبائر و أقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع , خلافا للكرامية الطائفة المبتدعة في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب , وتابعهم على هذا كثيرون من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد أو ينسبهم جهلة مثلهم , وشبهة زعمهم الباطل أنه جاء في رواية : من كذب علي متعمدا ليضل به فليتبوأ مقعده من النار . وزعم بعضهم أن هذا كذب له عليه الصلاة والسلام لا كذب عليه , وهذا الذي انتحلوه وفعلوه واستدلوا به غاية الجهالة ونهاية الغفلة , وأدل الدلائل على بعدهم من معرفة شيء من قواعد الشرع , وقد جمعوا فيه جملا من الأغاليط اللائقة بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة الفاسدة فخالفوا قول الله عز وجل : ( و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) , وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور , وخالفوا إجماع أهل الحل والعقد . وغير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي , وإذا نظر في قولهم وجد كذبا على الله تعالى , قال الله تعالى : ( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ومن أعجب الأشياء قولهم : هذا كذب له , وهذا جهل منهم بلسان العرب وخطاب الشرع فإن كل ذلك عندهم كذب عليه
أما الحديث الذي تعلقوا به ; فأجاب العلماء عنه بأجوبة أحسنها وأخصرها أن قوله ليضل الناس , زيادة باطلة اتفق الحفاظ على إبطالها وأنها لا تعرف صحيحة بحال
‏الثاني : جواب أبي جعفر الطحاوي أنها لو صحت لكانت للتأكيد كقول الله تعالى : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس )
‏الثالث : أن اللام في ليضل ليست لام التعليل بل هي لام الصيرورة والعاقبة , معناه أن عاقبة كذبه ومصيره إلى الإضلال به كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا)و نظائره في القرآن و كلام العرب أكثر من أن تحصر و على هذا يكون معناه فقد يصير أمر كذبه إضلالا , وعلى الجملة مذهبهم أرك من أن يعتني بإيراده و أبعد من أن يهتم بإبعاده وأفسد من أن يحتاج إلى إفساده .
‏الرابعة : يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه و لم يبين حال روايته وضعه فهو داخل في هذا الوعيد , مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويدل عليه أيضا الحديث ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) ‏و لهذا قال العلماء : ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره أن ينظر فإن كان صحيحا أو حسنا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعله أو نحو ذلك من صيغ الجزم وإن كان ضعيفا فلا يقل : قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم بل يقول : روي عنه كذا أو جاء عنه كذا أو يروى أو يذكر أو يحكى أو يقال أو بلغنا وما أشبهه .
‏قال العلماء : وينبغي لقارئ الحديث أن يعرف من النحو واللغة وأسماء الرجال ما يسلم به من قوله ما لم يقل , وإذا صح في الرواية ما يعلم أنه خطأ فالصواب الذي عليه الجماهير من السلف و الخلف أنه يرويه على الصواب و لا يغيره في الكتاب , لكن يكتب في الحاشية أنه وقع في الرواية كذا و أن الصواب خلافه و هو كذا , ويقول عند الرواية : كذا وقع في هذا الحديث أو في روايتنا والصواب كذا , فهو أجمع للمصلحة فقد يعتقده خطأ و يكون له وجه يعرفه غيره و لو فتح باب تغيير الكتاب لتجاسر عليه غير أهله ‏‏قال العلماء : وينبغي للراوي وقارئ الحديث , إذا اشتبه عليه لفظة فقرأها على الشك أن يقول عقبه أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
عماد حمدي ناصف

الاثنين، 14 يوليو 2008

فقة السنة


الآذان الأول والثاني في صلاة الفجر...

قول صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم ) ‏‏قال الامام النووى فى شرح صحيح مسلم : فيه جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر .
و فيه : جواز الأكل و الشرب و الجماع و سائر الأشياء إلى طلوع الفجر . و فيه جواز أذان الأعمى , قال أصحابنا : هو جائز , فإن كان معه بصير كابن أم مكتوم مع بلال فلا كراهة فيه , و إن لم يكن معه بصير كره للخوف من غلطه .
و فيه استحباب أذانين للصبح أحدهما قبل الفجر , و الآخر بعد طلوعه أول الطلوع .
و فيه اعتماد صوت المؤذن , و استدل به مالك و المزني و سائر من يقبل شهادة الأعمى , و أجاب الجمهور عن هذا بأن الشهادة يشترط فيها العلم و لا يحصل علم بالصوت لأن الأصوات تشتبه , و أما الأذان و وقت الصلاة فيكفي فيها الظن .
و فيه دليل لجواز الأكل بعد النية , و لا تفسد نية الصوم بالأكل بعدها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الأكل إلى طلوع الفجر , و معلوم أن النية لا تجوز بعد طلوع الفجر , فدل على أنها سابقة , و أن الأكل بعدها لا يضر , و هذا هو الصواب المشهور من مذهبنا و مذهب غيرنا . و قال بعض أصحابنا : متى أكل بعد النية أو جامع فسدت , و وجب تجديدها , و إلا فلا يصح صومه , و هذا غلط صريح .
و فيه استحباب السحور و تأخيره .
و فيه اتخاذ مؤذنين للمسجد الكبير , قال أصحابنا : و إن دعت الحاجة جاز اتخاذ أكثر منهما , كما اتخذ عثمان أربعة , و إن احتاج إلى زيادة على أربعة فالأصح اتخاذهم بحسب الحاجة و المصلحة ‏‏قوله : ( ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا ) ‏‏قال العلماء : معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر , و يتربص بعد أذانه للدعاء و نحوه , ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة و غيرها , ثم يرقى و يشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر .
‏‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال أو نداء بلال من سحوره فإنه يؤذن )أو قال :( ينادي ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم ) ‏‏فلفظة ( قائمكم ) منصوبة مفعول ( يرجع ) قال الله تعالى ( فإن رجعك الله ) و معناه أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد , فيرد القائم المتهجد إلى راحته لينام غفوة ليصبح نشيطا , أو يوتر إن لم يكن أوتر , أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارة أخرى , أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح
‏‏و قوله صلى الله عليه وسلم : ( و يوقظ نائمكم ) أي ليتأهب للصبح أيضا بفعل ما أراد من تهجد قليل , أو إيتار إن لم يكن أوتر , أو سحور إن أراد الصوم , أو اغتسال أو وضوء أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر . ‏‏قوله صلى الله عليه وسلم في صفة الفجر : ( ليس أن يقول هكذا و هكذا و صوب يده و رفعها حتى يقول هكذا و فرج بين إصبعيه ) ‏‏و في الرواية الأخرى : ( إن الفجر ليس الذي يقول هكذا) وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض و لكن الذي يقول هكذا ووضع المسبحة على المسبحة ومد يده ) و في الرواية الأخرى : ( هو المعترض و ليس بالمستطيل ) و في الرواية الأخرى : ( لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا ) قال الراوي : يعني معترضا . ‏‏في هذه الأحاديث بيان الفجر الذي يتعلق به الأحكام , وهو الفجر الثاني الصادق , ( و المستطير ) بالراء , والإشارة لزيادة البيان في التعليم.
عماد حمدي ناصف

متى تغضب

غزة..تنادي..أعيرونا مدافعَكُمْ ليوم لا مدامعَكُمْ..

متى تغضب؟!! سؤال يطرحه الشاعر هنا وهو على يقين تام أن الإجابة عليه ليست سهلة بحال.. ولأن المسئول ليس بأعلم من السائل.. وهو على يقين أنها صرخة في واد سحيق.. وما أنت بمسمع من في القبور!!
وللشاعر كل الحق ما دام الشعار المرفوع اليوم عند الأكثرية من بني قومي عاربة كانوا أو مستعربة هو أن العبد الصالح من يغمض عينيه ويأكل... من يتحسس أقصى الدرب بلا عكاز.. من يسبح بغير شراع.. من يمشى في ظل الحائط.. هذا هو حال الطقس اليوم...
الشاعر يعلم أننا لو بصقنا على هذا الكيان اللقيط مجتمعين لأغرقناه لو بصقنا!!.. طبيعي أن الأمة التي يحرص شبابها كل الحرص على متابعة أخبار نانسي عجرم وهيفاء وهبي وبسكال مشعلانى وغيرهن وغيرهن من اللواتي لا يرددن يد لامس!! أمة لا تمتلك القدرة حتى على البصق!! الأمة التي ترفع شأن الراقصات ولو كن من راقصات الدرجة الثالثة فوق شأن العلماء والمفكرين.. هي أمة أهون من أن يعيرها عدوها اهتماما أو حتى ينظر إليها بمؤخرة العين..!!
الأمة التي أدمنت فن المقاومة الإنشائية واعتبر صناع القرار فيها أن بيان الشجب و الإدانة هو أقصى ما يمكن فعله على طريقة عباس وراء المتراس.. وقد أيقن عدوها أن الموضوع برمته لا يزيد عن كونه ورقة توت تستر العورة أمام الشعوب المستغفلة هذه الأمة تستحق هذا العقاب.
الأمة التي لا تعتمد على سواعد أبنائها في حماية أرضها وعرضها وتنتظر من عدوها أن يرحمها.. أمة قد فقدت مبرر وجودها وخاصة في زمن المهازل وقانون الغاب حيث الحصول على القوت بالمخلب والناب!!
والقصيدة التي بين أيدينا اليوم هي إحدى البكائيات التي نعرضها في هذا الباب.. وهى بحق فريدة من نوعها في بابها
وقد غلب على مفرداتها روح التوبيخ والتبكيت لكل من انتسب لهذه الأمة ولم يغضب لأرضها المغصوبة ولم يتحرك له ساكن لعرضها المستباح..وإليكم البكائية كاملة وعليكم
السباحة في الأقاصي البعيدة للمعاني.
أعيرونا مدافعَكُمْ ليومٍ... لا مدامعَكُمْ
أعيرونا وظلُّوا في مواقعكُمْ
بني الإسلام ! ما زالت مواجعَنا مواجعُكُمْ
إذا ما أغرق الطوفان شارعنا
سيغرق منه شارعُكُمْ
يشق صراخنا الآفاق من وجعٍ
فأين تُرى مسامعُكُمْ ؟!
* ** **
ألسنا إخوةً في الدين قد كنا... وما زلنا
فهل هُنتم ، وهل هُنّا
أنصرخ نحن من ألمٍ ويصرخ بعضكم: دعنا ؟
أيُعجبكم إذا ضعنا ؟
أيُسعدكم إذا جُعنا ؟
وما معنى بأن «قلوبكم معنا»؟
لنا نسبٌ بكم ـ والله ـ فوق حدودِ
هذي الأرض يرفعنا
وإنّ لنا بكم رحماً
أنقطعها وتقطعنا ؟!
معاذ الله! إن خلائق الإسلام
تمنعكم وتمنعنا
ألسنا يا بني الإسلام إخوتكم ؟!
أليس مظلة التوحيد تجمعنا ؟!
أعيرونا مدافعَكُمْ
رأينا الدمع لا يشفي لنا صدرا
ولا يُبري لنا جُرحا
أعيرونا رصاصاً يخرق الأجسام
لا نحتاج لا رزّاً ولا قمحا
تعيش خيامنا الأيام
لا تقتات إلا الخبز والملحا
فليس الجوع يرهبنا ألا مرحى له مرحى
بكفٍّ من عتيق التمر ندفعه
ونكبح شره كبحاً
أعيرونا وكفوا عن بغيض النصح بالتسليم
نمقت ذلك النصحا
أعيرونا ولو شبراً نمر عليه للأقصى
أتنتظرون أن يُمحى وجود المسجد الأقصى
وأن نُمحى
أعيرونا وخلوا الشجب واستحيوا
سئمنا الشجب و " الردحا "
* ** **
أخي في الله
أخبرني متى تغضبْ ؟
إذا انتهكت محارمنا
إذا نُسفت معالمنا ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا إذا ديست كرامتنا
إذا قامت قيامتنا ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ ؟
إذا نُهبت مواردنا إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت مساجدنا وظل المسجد الأقصى
وظلت قدسنا تُغصبْ
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ ؟
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض
يعبث في دمي لعباً
وأنت تراقب الملعبْ
إذا لله، للحرمات، للإسلام لم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ ؟!
رأيت هناك أهوالاً
رأيت الدم شلالاً
عجائز شيَّعت للموت أطفالاً
رأيت القهر ألواناً وأشكالاً
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ ؟
وتجلس كالدمى الخرساء بطنك يملأ المكتبْ
تبيت تقدس الأرقام كالأصنام فوق ملفّها تنكبْ
رأيت الموت فوق رؤوسنا ينصب
ولم تغضبْ
فصارحني بلا خجلٍ لأية أمة تُنسبْ ؟!
إذا لم يُحْيِ فيك الثأرَ ما نلقى
فلا تتعبْ
فلست لنا ولا منا ولست لعالم الإنسان منسوبا
فعش أرنبْ ومُت أرنبْ
ألم يحزنك ما تلقاه أمتنا من الذلِّ
ألم يخجلك ما تجنيه من مستنقع الحلِّ
وما تلقاه في دوامة الإرهاب والقتل ِ
ألم يغضبك هذا الواقع المعجون بالهول ِ
وتغضب عند نقص الملح في الأكلِ!!
* ** **
ألم تنظر إلى الأحجار في كفيَّ تنتفضُ
ألم تنظر إلى الأركان في الأقصى
بفأسِ القهر تُنتقضُ
ألست تتابع الأخبار؟ حيٌّ أنت!
أم يشتد في أعماقك المرضُ
أتخشى أن يقال يشجع الإرهاب
أو يشكو ويعترضُ
ومن تخشى ؟!
هو الله الذي يُخشى
هو الله الذي يُحيي
هو الله الذي يحمي
وما ترمي إذا ترمي
هو الله الذي يرمي
وأهل الأرض كل الأرض لا والله
ما ضروا ولا نفعوا ، ولا رفعوا ولا خفضوا
فما لاقيته في الله لا تحفِل
إذا سخطوا له ورضوا
ألم تنظر إلى الأطفال في الأقصى
عمالقةً قد انتفضوا
تقول: أرى على مضضٍ
وماذا ينفع المضضُ ؟!
أتنهض طفلة العامين غاضبة
وصُنَّاع القرار اليوم لا غضبوا ولا نهضوا ؟!
** **
ألم يهززك منظر طفلة ملأت
مواضع جسمها الحفرُ
ولا أبكاك ذاك الطفل في هلعٍ
بظهر أبيه يستترُ
فما رحموا استغاثته
ولا اكترثوا ولا شعروا
فخرّ لوجهه ميْتاً
وخرّ أبوه يُحتضرُ
متى يُستل هذا الجبن من جنبَيْك والخورُ ؟
متى التوحيد في جنبَيْك ينتصرُ ؟
متى بركانك الغضبيُّ للإسلام ينفجرُ
فلا يُبقي ولا يذرُ ؟
أتبقى دائماً من أجل لقمة عيشكَ
المغموسِ بالإذلال تعتذرُ ؟
متى من هذه الأحداث تعتبرُ ؟
وقالوا: الحرب كارثةٌ
تريد الحرب إعدادا
وأسلحةً وقواداً وأجنادا
وتأييد القوى العظمى
فتلك الحرب ، أنتم تحسبون الحرب
أحجاراً وأولادا ؟
نقول لهم: وما أعددْتُمُ للحرب من زمنٍ
أألحاناً وطبّالاً وعوّادا؟
سجوناً تأكل الأوطان في نهمٍ
جماعاتٍ وأفرادا ؟
حدوداً تحرس المحتل توقد بيننا
الأحقاد إيقادا
وما أعددتم للحرب من زمنٍ
أما تدعونه فنّـا ؟
أأفواجاً من اللاهين ممن غرّبوا عنّا ؟
أأسلحة ، ولا إذنا
بيانات مكررة بلا معنى ؟
كأن الخمس والخمسين لا تكفي
لنصبر بعدها قرنا!
أخي في الله ! تكفي هذه الكُرَبُ
رأيت براءة الأطفال كيف يهزها الغضبُ
وربات الخدور رأيتها بالدمّ تختضبُ
رأيت سواريَ الأقصى لكالأطفال تنتحبُ
وتُهتك حولك الأعراض في صلفٍ
وتجلس أنت ترتقبُ
ويزحف نحوك الطاعون والجربُ
أما يكفيك بل يخزيك هذا اللهو واللعبُ؟
وقالوا: كلنا عربٌ
سلام أيها العربُ!
شعارات مفرغة فأين دعاتها ذهبوا
وأين سيوفها الخَشَبُ ؟
شعارات قد اتَّجروا بها دهراً
أما تعبوا ؟
وكم رقصت حناجرهم
فما أغنت حناجرهم ولا الخطبُ
فلا تأبه بما خطبوا
ولا تأبه بما شجبوا
* ** **
متى يا أيها الجنـديُّ تطلق نارك الحمما ؟
متى يا أيها الجنديُّ تروي للصدور ظما ؟
متى نلقاك في الأقصى لدين الله منتقما ؟
متى يا أيها الإعـلام من غضب تبث دما ؟
عقول الجيل قد سقمت
فلم تترك لها قيماً ولا همما
أتبقى هذه الأبواق يُحشى سمها دسما ؟
دعونا من شعاراتٍ مصهينة
وأحجار من الشطرنج تمليها
لنا ودُمى
تترجمها حروف هواننا قمما
* ** **
أخي في الله قد فتكت بنا علل
ولكن صرخة التكبير تشفي هذه العللا
فأصغ لها تجلجل في نواحي الأرض
ما تركت بها سهلاً ولا جبلا
تجوز حدودنا عجْلى
وتعبر عنوة دولا
تقضُّ مضاجع الغافين
تحرق أعين الجهلا
فلا نامت عيون الجُبْنِ
والدخلاءِ والعُمَلا
* ** **
وقالوا: الموت يخطفكم وما عرفوا
بأن الموت أمنية بها مولودنا احتفلا
وأن الموت في شرف نطير له إذا نزلا
ونُتبعه دموع الشوق إن رحلا
فقل للخائف الرعديد إن الجبن
لن يمدد له أجلا
وذرنا نحن أهل الموت ما عرفت
لنا الأيام من أخطاره وجلا
"هلا" بالموت للإسلام في الأقصى
وألف هلا
عماد حمدي ناصف

إنما الصبر عند الصدمة الأولى

إنما الصبر عند الصدمة الأولى

بقلم / تراجي الجنزوري
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "مر النبي صلي الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند{ قبر فقال لها: "اتقي الله واصبري" فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي – ولم تعرفه – فقيل لها: إنه النبي صلي الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلي الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
ما أشد وقع المصيبة على النفس البشرية.. وما أفجعها عندما تكون بعزيز غالٍ، أو ولد حبيب.. إنها لخطب جلل، وكارثة عظيمة قد يضيق بها الصدر ولا تتحملها النفس البشرية؛ فهي مصيبة بما تحمله الكلمة من معانٍ.. مصيبة.. كارثة.. فجيعة.. مدلهمة.. ولكن ما أعظم هذا الدين وما أكمله وما أشمله حين يداوي هذه النفوس الجزعة والصدور التي ضاقت بما يخفف عنها من وقع هذه المصيبة وألم تلك الحادثة.
فالمؤمن يعتقد اعتقاداً جازماً بقضاء الله وقدره وأن كل ما يحدث في هذه الحياة من خير أو شر.. ومن نفع أو ضر.. إنما هو بقضاء منه وتقدير فيرضي بحكم الله صابراً محتسباً طمعاً في مرضاة الله وإلى هذا المعنى تشير آية سورة الحديد (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) [الحديد23:22]، ولله در ابن القيم رحمه الله وهو يوضح حال العبد مع المصيبة فيقول: " وربما تأتي المضرة من قِبْلِ المسرة وربما تأتي المسرة من قِبْلِ المضرة فلا يؤمن العبد أن تأتيه المضرة من قِبْلِ المسرة .. ولا ييأس العبد أن تأتيه المسرة من قِبْلِ المضرة وللعبد في ذلك أمور" .
أولاً: أن يفوض الأمر لله.
ثانياً: أن يتوكل على الله.
ثالثاً: أن يعلم أن قضاء الله خير.
رابعاً: ألا يقترح على الله، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36]، وهذا هو فائدة الإيمان بالقضاء والقدر أن تخفف المصيبة على قلب الإنسان بسبب اعتقاده أنها بإرادة الله ومشيئته، بينما الكافر ينفد صبره ويضيع رشده ولربما أضاع حياته أيضاً بالانتحار لأنه ليس لديه من يسليه أو يعزيه أو يخفف المصاب عنه.
ولقد كان جزاء الصبر عند الله عظيماً (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [الزمر:10] لأنه حبس للنفس على ما تكره، وصون لها على ما يغضب الله، ومقاومة للنوازع الفطرية في نفس الإنسان فأجزل الله لهم المثوبة وأعظم الله لهم الجزاء (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة156:155].
وفي الحديث الشريف دعوة إلى الصبر وتقوى الله لتلك المرأة التي فقدت ولدها.. ولكن وقع المصيبة كان عليها عظيماً فقد خاطبت الرسول صلي الله عليه وسلم بألفاظ لا تليق بمقامة الشريف.. ولكن انظر إلى رد فعل النبي صلي الله عليه وسلم إنه العفو والصفح فقبل منها عذرها واعتذارها وضرب لنا أروع مثال في النصيحة بقوله: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
ومع كثرة المصائب والشدائد والمحن في هذه الأيام العصيبة من غلاء في الأسعار وضنك في العيش وكثرة المنكرات والبعد عن شريعة الرحمن و... و... فليكن الصبر خيارنا كما كان خيار رسول الله صلي الله عليه وسلم لهذه المرأة.
وأتوجه لنفسي ولكم بهذه الوصية لابن أبي الدنيا في كتابه البلاء فيقول: عجب لمن قرأ أربع ثم أبتلى ليجزع قيل له يا ابن أبي الدنيا هات الأولى.. قال قوله تعالى في سورة البقرة (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة157:155]
قيل له يا ابن أبي الدنيا هات الثانية.. قال قوله تعالى في آل عمران ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران146:148] .
قيل له يا ابن أبي الدنيا هات الثالثة.. قال قوله تعالى في آل عمران ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران173:174]
قيل له يا ابن أبي الدنيا هات الرابعة.. قال قوله تعالى في سورة غافر ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) [غافر44:45]

على باب المعتصم

على باب المعتصم
بقلم / هشام النجار
هذه المحلات التي تشبه خان الخليلي لأول مرة تراها في السوق.. وتلك البضاعة والأقمشة والباعة غريبي الأطوار.. حدثتها نفسها بالعودة.. ولكن وقعت عيناها على شيء جذبها وأغراها بالبقاء.. دار كبيرة بيضاء في وسط السوق بلا أبواب وبدون أسوار.. مكتوب عليها ( دار المعتصم ) !
إنها تعرف هذا الاسم.. نعم تذكره جيداً انه ذلك الخليفة المنقذ الذي لا يمل الخطباء من ذكره.
حركتها رغبة في لقاء الرجل الذي جيش جيشه من أجل امرأة.
اقتربت من الدار.. دخلتها..
لم تجد شيئا سوى شاب متأنق جالس على مكتب زجاجي.. وأمامه (لاب توب) بجوار باب عالي مكتوب عليه (الديوان)!
ولما سألته عن المعتصم؟؟ سألها عن سبب اللقاء؟؟ .
قالت: ألم يعد يسمع صرخات النساء ؟!
طلب منها الشاب الانتظار قليلاً.. ثم نظر إلى شاشة الكمبيوتر.
وجعل يردد: صرخات النساء.. صرخات النساء.. صرخات النساء.. وهو يحرك (الماوس) ويضغط على أزرار لوحة المفاتيح.
وأخيراً وقف واعتذر بأدب.. ثم قال: عذراً سيدتي صرخات النساء ليست على جدول الأعمال !

الأحد، 6 يوليو 2008

في تأديب النفس وتربية الأولاد

فتاوى

رقم الفتوى 3396
تاريخ الفتوى
21/6/1429 هـ -- 2008-06-25
السؤال

سالم من عُمان يقول
كيف يمكن تأديب النفس وهي الحصان الجامح وكيف يمكن تربية أولادي علي السنة والمبادي الإسلامية في بيئة ليست محافظة على الضوابط الشرعية التي يظنها الناس عادية مثل الأغاني.

الإجابة
المفتي فضيلة الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند

أفضل وسيلة لتأديب النفس وكبح جماحها حملها على الحق حملاً، ومخالفتها كما قال تعالى: { وأما من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى. فإنّ الجنّة هي المأوى }، وقال الشاعر:
وخالف النفس والشيطان واعصهما ***** وإن هما محّضاك النصــح فاتهم
ِفالنفس كالطفل إن تتركه شبّ على ***** حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ِوقال بعض السلف: كابدت قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة. ومن الأمور التي تعين على كبح جماح النفس: الصيام، فالصوامون هم أقدر الناس على كبح جماح أنفسهم وشهواتهم..أما تربية الأولاد، فيجب أن تعلم أن تأثير البيت على الطفل ـ وبخاصة الأم ـ تأثير كبير، لا سيما في السنوات العشر الأولى، فإذا تربّى الطفل تربية إسلامية حسنة كانت كالأساس المتين له في المستقبل، ولهذا صرّح المنصرون في رسائلهم بأنهم يجبوا أن يكسبوا المرأة المسلمة إما بتنصيرهم إن أمكن , وإما بإفسادها، لما لها من تأثير بالغ على النشء وقد أدرك ذلك الشاعر المصري فقال:
الأم مـدرسة إذا أعددتها ***أعددت شعباً طيب الأعراقِ
فاختيار الأم الصالحة هو أول الخطوات لإيجاد نشء صالح بإذن الله تعالى: " فاظفر بذات الدين تربت يداك ". وإن من أعظم وسائل التربية الحسنة: الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، فإنّ تأثير الأفعال أشد وأبلغ من تأثير الأقوال.ومن وسائل التربية إيجاد البديل النافع، وأنت قد ذكرت الغناء فيمكنك توفير البديل النافع من التلاوات الحسنة والأناشيد الإسلامية الهادفة الجادة الخالية من آلات اللهو والموسيقى والميوعة، وهكذا.. والكلام عن التربية يطول، لكني أحيلك إلى بعض المراجع النافعة، منها: كتاب ( تحفة المودود في أحكام المولود ) للإمام ابن القيم، وكتاب ( منهج التربية الإسلامية ) للأستاذ محمد قطب، وكتاب ( تربية الإولاد في الإسلام ) للأستاذ عبد الله علوان وغيرها كثير، والله ولي التوفيق.
نقله لكم / عماد حمدي ناصف
من موقع فضيلة الشيخ المسند

العائدات إلى الله


العائدات إلى الله
قصص جديدة للتائبات

محمد بن عبد العزيز المسند

المقـدمـة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد ، فقد سبق وأن أشار عليَّ كثير من الإخوة بتخصيص جزء خاص للأخوات التائبات ينفردن به عن الذكور ، ولكن لم ينشرح صدري لذلك لأسباب عدة ؛ حتى اجتمع لدي عدد لا بأس به من القصص مما يتعذر نشره في كتيب واحد ، فرأيت أن أعمل بتلك المشورة . هذا وأسأل الله المثوبة والسداد .. والله الموفق محمد المسند
توبة الممثلة شهيرة
لا تزال قوافل التائبين والتائبات ماضية ؛ لا يضرها نكوص الناكصين ، ولا نبح النابحين ، ولسان حالها يقول :
إذا الكلب لا يؤذيك إلا بنبحه فدعه إلى يوم القيامة ينبحُ
وإنّ من أواخر من التحق بركب الإيمان ، الممثلة شهيرة أو عائشة حمدي كما هو اسمها الحقيقي .. أترككن معها لتروي لكنَّ رحلتها من الظلمات إلى النور .. تقول : ( الحمد لله ) .. هي الكلمة الوحيدة التي لا أجد أحلى منها الآن لأرددها على لساني .. فقد تردّدتْ حولي منذ فترة طويلة كثير من الشائعات حول نيتي الاعتزال والاحتجاب ، إلا أن حقيقة ما حدث أنه منذ عام ونصف شاهدت رؤيا في المنام كان معناها أن الله يطلب مني أن أفتح كتاباً وأقرأه ، فبدأت أتردد على مجالس الذكر في المساجد ، وأقرأ الكتب الدينية بشغف شديد ، وخلال هذا كله كانت تراودني فكرة (الححاب) ولكن كانت تنقصني الشجاعة اللازمة لاتخاذ هذه الخطوة . وعند ما جاءتني الفرصة تمسكت بها ، وكان ذلك في يوم الجمعة ، وكان من عادتي أن أبكي بشدة في صلاة الجمعة ، ولا أدري لذلك سبباً معيناً .. إنها مجرد عادة ، وأنا أبكي في صلواتي كثيراً ، لكن صلاة الجمعة بالتحديد تثير في نفسي الشجن . وفي ظهر يوم من أيام الجمعة ؛ وجدت نفسي أردد بعد صلاتي الكثير من الأدعية ، ووجدت لساني يلهج بحمد الله عز وجل ، ويردد رغماً عني وبشكل متدفق : (( اللهم وفقني لما فيه الخير لي )) .. ظللت أكرر هذا الدعاء عشرات المرات ، وعَصَفَتْ بي موجة من البكاء ، ورحت في عالم رحب كله حب الله ، وأمسكت بالمصحف ، وفتحته ، فإذا بعيني تقع على الآية الكريمة : ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) ( الأعراف : 158 ). فشعرت بقشعريرة زلزلت كياني ، وأكملتُ قراءة السورة الكريمة حتى نهايتها ، ومع آخر كلمة من السورة كنت قد اتخذت قراري بارتداء الحجاب واعتزال التمثيل ، وأذكر أنني ليلتها لم أنم ، وانتابتني حالة من التيقظ غير العادي ، وغفوت لمدة ساعة ثم صحوت بعدها على صلاة الفجر ، والغريب أنني منذ التزامي أصحو على صلاة الفجر ، ومن قبلُ كنت أنام إلى منتصف النهار ... والآن .. أنا سعيدة للغاية حيث أكرمني الله عز وجل ، وهداني إلى نور الحق .. والحمد لله أني اتخذت هذا القرار في الوقت المناسب . وحول سؤالها عن سبب اعتزالها ( الفن ) قالت : اعتزلت التمثيل لرغبتي في البعد عن الأضواء والشهرة ، وأن التقي بالله سبحانه وتعالى بدون دنيا زائفة .. كما أن الرائج الآن في سوق الفن هو اللعب على غرائز المتفرج .. العنف .. الأعمال البلهاء .. الكوميديا الرخيصة .. وللأسف هذا هو الذي يحظى بالرواج !!! وحول ما يشيعه البعض من تلقي التائبات أموالاً من جهات مجهولة (!!! ) مقابل التوبة ... ترد عائشة ( شهيرة سابقاً )) فتقول : حسبي الله ونعم الوكيل .. هذا غير صحيح .. دافعنا إلى الاعتزال كان أسمى من كل القيم المادية .. لقد اخترنا الطريق الذي نشعر فيه بالرضا عن النفس .. وحول جهودها في مجال الدعوة تقول . حقيقة ما زلت في بداية الطريق ، وأحتاج إلى الكثير جداً من العلم والمعرفة بأمور ديني ، ولكن ما أتذوقه الآن من حلاوة ، وما أشعر به من الرضا والسعادة أحاول جاهدة أن أنقله إلى جميع من حولي ، فبرغم ثقافتي الدينية البسيطة ، إلا أنني بتلقائية شديدة أتكلم معهن عن بديهيات الأمور ، وأولويات الإيمان ، وأنقل إليهن أولاً بأول ما أقرأه وأتعلمه ، وأحاول إقناعهن بما اقتنعت به من أن الحجاب فرض وأمر إلهي كالصلاة والصوم والزكاة ..لا يحتاج إلى مناقشة أو تردد . والحمد لله أن حباني موهبة الإقناع ، ولا أجد من الكلمات ما أصف به مشاعري بالحسنة التي يرزقني الله إياها عند ما تأتي مجالس العلم بثمرة طيبة بحجاب إحدى الأخوات ، وأتمنى من الله وأدعوه أن يجعل مني قدوة صالحة في مجال الدعوة إليه ، كما كنت من قبل قدوة لكثيرات في مجال الفن
توبة الداعية سوزي مظهر على يد امرأة فرنسية

سوزي مظهر لها أكثر من عشرين عاماً في مجال الدعوة إلى الله ، ارتبط اسمها بالفنانات التائبات وكان لها دور دعوي بينهن .. روت قصة توبتها فقالت : تخرجت من مدارس ( الماردي دييه ) ثم في قسم الصحافة بكلية الآداب ، عشت مع جدتي والدة الفنان أحمد مظهر فهو عمي ... كنت أجوب طرقت حي الزمالك ، وأرتاد النوادي وكأنني أستعرض جمالي أمام العيون الحيوانية بلا حرمة تحت مسميات التحرر والتمدن . وكانت جدتي العجوز لا تقوى عليّ ، بل حتى أبي وأمي ، فأولاد الذوات هكذا يعيشون ؛ كالأنعام ، بل أضل سبيلاً ، إلا من رحم الله عز وجل . حقيقة كنت في غيبوبة عن الإسلام سوى حروف كلماته ، لكنني رغم المال والجاه كنت أخاف من شيء ما .. أخاف من مصادر الغاز والكهرباء ، وأظن أن الله سيحرقني جزاء ما أنا فيه من معصية ، وكنت أقول في نفسي إذا كانت جدتي مريضة وهي تصلي ، فكيف أنجو من عذاب الله غداً ، فأهرب بسرعة من تأنيب ضميري بالاستغراق في النوم أو الذهاب إلى النادي . وعند ما تزوجت ؛ ذهبت مع زوجي إلى فرنسا لقضاء ما يسمى بشهر العسل ، وكان مما لفت نظري هناك ؛ أنني عند ما ذهبت للفاتيكان في روما وأردت دخول المتحف البابوي أجبروني على ارتداء البالطو أو الجلد الأسود على الباب .. هكذا يحترمون ديانتهم المحرفة .. وهنا تساءلت بصوت خافت .. فما بالنا نحن لا نحترم ديننا ؟؟! وفي أوج سعادتي الدنيوية المزيفة قلت لزوجي أريد أن أصلي شكراً لله على نعمته ، فأجابني : افعلي ما تريدين ، فهذه حرية شخصية (!!! ) . وأحضرت معي ذات مرة ملابس طويلة وغطاء للرأس ودخلت المسجد الكبير بباريس فأديت الصلاة ، وعلى باب المسجد أزحت غطاء الرأس ، وخلعت الملابس الطويلة ، وهممت أن أضعها في الحقيبة ، وهنا كانت المفاجأة .. اقتربت مني فتاة فرنسية ذات عيون زرقاء لن أنساها طول عمري ، ترتدي الحجاب .. أمسكت يدي برفق وربتت على كتفي ، وقالت بصوت منخفض : لماذا تخلعين الحجاب ؟ ! ألا تعلمين أنه أمر الله !! .. كنت أستمع لها في ذهول ، والتمستْ مني أن أدخل معها المسجد بضع دقائق ، حاولت أن أفلت منها لكنَّ أدبها الجم ، وحوارها اللطيف أجبراني على الدخول . سألتني : أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ .. أتفهمين معناها ؟؟ .. إنها ليست كلمات تقال باللسان ، بل لا بد من التصديق والعمل بها .. لقد علمتني هذه الفتاة أقسى درس في الحياة .. اهتز قلبي ، وخضعت مشاعري لكلماتها ثم صافحتني قائلة : انصري يا أختي هذا الدين . خرجت من المسجد وأنا غارقة في التفكير لا أحس بمن حولي ، ثم صادف في هذا اليوم أن صحبني زوجي في سهرة إلى ( كباريه .. ) ، وهو مكان إباحي يتراقص فيه الرجال والنساء شبه عرايا ، ويفعلون كالحيوانات ، بل إن الحيوانات لتترفع من أن تفعل مثلهم ، ويخلعون ملابسهم قطعة قطعة على أنغام الموسيقى .. كرهتهم ، وكرهت نفسي الغارقة في الضلال .. لم أنظر إليهم ، ولم أحس بمن حولي ، وطلبت من زوجي أن نخرج حتى أستطيع أن أتنفس .. ثم عدت فوراً إلى القاهرة ، وبدأتُ أولى خطواتي للتعرف على الإسلام . وعلى الرغم مما كنت فيه من زخرف الحياة الدنيا إلا أنني لم أعرف الطمأنينة والسكينة ، ولكني أقترب إليها كلما صليت وقرأت القرآن . واعتزلت الحياة الجاهلية من حولي ، وعكفت على قراءة القرآن ليلاً ونهاراً .. وأحضرت كتب ابن كثير وسيد قطب وغيرهما .. كنت أنفق الساعات الطويلة في حجرتي للقراءة بشوق وشغف .. قرأت كثيراً ، وهجرت حياة النوادي وسهرات الضلال .. وبدأت أتعرف على أخوات مسلمات ... ورفض زوجي في بداية الأمر بشدة حجابي واعتزالي لحياتهم الجاهلية ، لم أعد اختلط بالرجال من الأقارب وغيرهم ، ولم أعد أصافح الذكور ، وكان امتحاناً من الله ، لكن أولى خطوات الإيمان هي الاستسلام لله ، وأن يكون الله ورسوله أحب إليَّ مما سواهما ، وحدثت مشاكل كادت تفرق بيني وبين زوجي ، ولكن ، الحمد لله فرض الإسلام وجوده على بيتنا الصغير ، وهدى الله زوجي إلى الإسلام ، وأصبح الآن خيراً مني ، داعية مخلصاً لدينه ، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً . وبرغم المرض والحوادث الدنيوية ، والابتلاءات التي تعرضنا لها فنحن سعداء ما دامت مصيبتها في دنيانا وليست في ديننا )

توبة الممثلة أميرة

الممثلة أميرة هي أيضاً ممن التحق بركب التائبين ، تقول : طول عمري وأنا قريبة من الله، أحب الصلاة ، وأداوم عليها . . وأختلي بنفسي – حتى خلال مرحلة اشتغالي بالفن - .. وبعد الزواج ؛ أديت فريضة الحج ، ولكني لم أرتد الحجاب بعدها مباشرة ، ثم أديت العمرة مرات عديدة ، وبعد العمرة الخامسة تحجبت لتسعة أشهر ، ولكني تعرضت لضغوط رهيبة – لا داعي لذكرها الآن- كانت سبباً في تركي للحجاب .. لم تتبدل حياتي ، ولم أشعر بارتياح ، بل بالعكس ؛ كنت حزينة ، وقررت في لحظة انفعال العودة إلى الحجاب للمرة الثانية ، ولكن لم يكن مقدراً [3] لهذه المرة أن تدوم طويلاً ... وكانت المرة الثالثة التي ارتديت فيها الحجاب منذ نحو عام تقريباً وهي الأخيرة الدائمة إن شاء الله .. إنهم يقولون ( الثالثة ثابتة ) ، وأنا عازمة بإذن الله أن تكون كذلك . لقد كان الأمر في المرات الأولى مختلفاً ؛ فلم يكن أحد بجانبي مثل الآن يشجعني ويؤازرني .. كنت وحدي في مجتمعات كلها سفور وعداء للحجاب . وتؤكد أميرة : لم يحدث أبداً في أي وقت أن ضغط عليّ أحد لأتحجب ، حتى صديقتي العزيزة هناء ثروت – التي سبقتني إلى الحجاب – لم تطلب مني ذلك ، فقد اكتفت عند ما كنت أزورها ذات يوم بأن دعتني للصلاة ، ثم بعد الصلاة سألتني : لو كان لديك موعد مع إنسان عزيز تحبينه فماذا ترتدين له؟- قلت : أفضل ملابسي . - قالت : فما بالك بلقاء الله سبحانه وتعالى لحظة الصلاة .. ألا يستحق ذلك زياً ملائماً كما أمر الله . ؟ وبعد فترة من هذه الواقعة وجدت نفسي أتجه لاتخاذ القرار الذي كنت أسعى إليه باختياري منذ البداية . والحمد لله الذي أمد في عمري حتى أتخذ هذا القرار ، ولم يقبض روحي وأنا متبرجة سافرة .

توبة الممثلة الإماراتية نورية سليمان

بعد عامين فقط من دخولها ( الوسط الفني ) هجرت المسرح والتمثيل، وعادت إلى الله عز وجل .. نورية سليمان .. خريجة قسم الإعلام عام 1989م .. وقد عملت في تلفزيون دبي عام ( 1990- 1991 ) ... تقول في بداية حديثها : ( أولاً ، أود أن أقدم توضيحاً بين يدي هذا الحديث ؛ وهو أن وجودي في الوسط الفني كان محدوداً ، فأنا دخلته عام 91 لأمثل في مسرحية ( حبة رمل ) والتي تم عرضها في مهرجان القاهرة للمسرح مدة يومين ، ثم بعد رجوعي من هناك ابتعدت عن الفرقة رافضة المشاركة في عرض المسرحية نفسها في الإمارات ، ثم عدت للمسرح ثانية لأقدم مسرحية ( جميلة ) في العام الماضي والتي عُرضت عدة أسابيع في الإمارات ثم ابتعدت من جديد ورفضت السفر مع الفرقة لعرضها في مهرجان القاهرة للمسرح في العام نفسه ، فالمسرح لم يكن كل حياتي في يوم من الأيام لكنه إحدى الهوايات التي أحببتها وطغت على غيرها من الاهتمامات والهوايات ردحاً من الزمن . النقطة الثانية في هذا التوضيح أن اعتزال الوسط الفني - أو ما يسميه البعض بالعفن الفني – لا يعني بالضرورة الالتزام بالحجاب عندي ، فقد كان بالإمكان أن أبتعد عن المسرح مع الاستمرار في حياتي الخاصة على النحو الذي كنت عليه في المرحلة الماضية قبل التزامي ، لكن قراري الذي أحدث تغييراً شاملاً في حياتي ؛ كان اعتزال المسرح من ضمن جزئياته . إنه قرار كبير ولله الحمد شمل تفاصيل حياتي اليومية .. طريقة تفكيري .. مظهري.. معاملاتي ... هواياتي .. أصبحت أحاول جاهدة أن أجعل رضا الله المعيار الأول والأخير لتقييم كل الأشياء حولي .. فالقرار كان التغيير ، وكل الأحداث الأخرى من الالتزام بالحجاب ، والابتعاد عن المسرح وغير ذلك إنما ترتبت على هذا التغيير الذي وفقني الله إليه . أما بالنسبة للأسباب الخاصة التي دفعتني لاعتزال الوسط الفني فهي عدم الرضا عن نفسي ، ثم نمو الوعي الديني ، والتوجيه المستمر والتشجيع من أقرب الناس إلىّ : زوجي الذي وفر لي كل الأجواء النفسية والحياتية .. وأما ما يخص الوسط الفني فهو لما رأيته من ضياع القيم الأخلاقية مما كان له أثر سلبي عنيف على مفاهيمي وقناعاتي ، هذا ما دفعني لرفض الاستمرار في هذا الوسط ، وقد فرح أهلي وزوجي بشدة وشجعوني على الاستمرار في الخط الجديد لحياتي ، كما كانت هناك بعض التبريكات من بعض زملاء المهنة ، إلا أن الكثير منهم وصفني بالرجعية والتعجل في اتخاذ القرار (!!) ، والغباء بإضاعة فرص النجاح في المسرح (!! ) ، خاصة وأن مسرحيتي الأخيرة كانت في أوج نجاحها عند ما تركت كل شيء وراء ظهري [4] .

توبة راقصة جزائرية

نَشَأتْ في أرض المليون شهيد ... ونتيجة لتربية خاطئة ؛ انحرفتْ عن الصراط السوي ، فتلقفتها امرأة يهودية لترسلها إلى باريس وتصنع منها راقصة (!! )) . اسمها خديجة المداح ، وعرفها رواد الفسق والضلال بـ ( هدى !! الجزائرية ) . تقول خديجة : ولدت في منطقة الشلف ، في أسرة متدينة ، لكن أحد أفرادها – سامحه الله وغفر له – كان متشدداً لدرجة الغلو ، فعند ما كنت طفلة كان يؤثر ضربي المبرح بدلاً من تعليمي أصول ديني الحنيف ، وحدث أن طُلِّقتْ والدتي فتفكك شمل الأسرة ، وهربتُ من البيت ، ومن هنا كانت البداية . انضممت إلى فرقة ( محي الدين !! ) ثم إلى العمل في بيت امرأة يهودية ، فما كان منها إلا أن أوفدتني للعمل في باريس كمُهرِّجة مع يهودي وأخر فرنسي ، كان دوري يتلخص في ارتداء الزي الجزائري والسخرية منه ليضحك الجمهور .. وفي باريس تعرفت على ليلى الجزائرية التي كانت تعمل مع فريد الأطرش ، فرشحتني للعمل كراقصة ، وكنت في كل يوم أقترب كثيراً من حياة الضلال . لم أفق مما أنا فيه فجأة .. كلا ؛ بل منذ اليوم الأول وأنا أشعر بالندم والحسرة على السير في هذا الطريق ، وتأنيب الضمير بما تبقّى لديّ من فطرة . ثم جاءت اللحظة الحاسمة ، وجريت إلى سكنى ، واكتشفت أني ما زلت حية ، وأن ضميري ما زال حيا ، وأنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون .. قرأت كثيراً ، وبكيت كثيراً ، وما زلت أبكي على ما مضى من عمري ، لكنني أرجو رحمة ربي ، وأدعوه جل شأنه أن يتقبل توبتي

توبة محامية شهيرة

كانت محامية شهيرة .. وفجأة اعتزلت المحاماة وارتدت الحجاب ، وتحولت إلى داعية تتردد على المساجد لإلقاء دروس الوعظ والإرشاد على بنات جنسها . كشفت سر هذا التحول فقالت : في أثناء تأديتي للعمرة وجدت نفسي أبكي ، وكلما بكيت أحسست بنقاء وشفافية ، وفي لحظات قررت اعتزال مهنتي . .وبعد أن حاكمت نفسي ؛ وجدت كل ذرة في كياني تؤيد ذلك القرار ، وحين عدت إلى بيتي تخلصت من جميع الملابس التي لا تتفق مع الزي الإسلامي وارتديت الحجاب ، ورفضت مقابلة العملاء الذين كانوا يأتونني من قبل بصفتي محامية [6] . أما أفراد أسرتي فقد اقتنعوا جميعاً بهذا القرار إلا خطيبي الذي هددني بالطلاق قبل الدخول وكان قراري أسبق من قراره ؛ إذ أعلنت له رغبتي في عدم إتمام هذا الزواج إذا تعارض مع ما قررته لأكون امرأة مسلمة حقاً ، وكانت قسيمة الطلاق آخر شيء يربطني بعالَم لا أريده

توبة فتاة مصرية

تقول هذه الفتاة : تجولت مع أسرتي في أكثر من دولة عربية كانت بلاد الحرمين هي آخرها .. والدي خريج أزهري متدين ومدرس للدراسات الإسلامية ، أما والدتي فثقافتها الإسلامية قليلة جداً ، لذا فهي دائمة الخلاف معي حول مسائل دينية في الحياة .. أثناء سفراتي المتعددة لاحظت أن بعض نساء الريف يلبس ملابس طويلة ساترة ، ولا يظهرن أما الرجال الأجانب ( غير المحارم ) ، ولكني اعتقدت أنهن يلبس هذا اللباس اتباعاً لعادات وتقاليد تمسكن بها ، ولم أعرف أنها إسلامية ، لم أعرف في حياتي شيئاً اسمه الحجاب رغم سفري المتعدد ، رغم أن والدتي تلبس ملابس طويلة ، وتغطي شعرها بـ ( إيشارب ) ، ولما استقرينا في مصر لأول مرة ، وانتقلت إلى المرحلة الثانوية ، جلست بجواري فتاة محجبة .. سألتني من أول يوم : لماذا أنت لستِ محجبة يا .. ؟! ولكني لم أرد عليها ، وإنما اكتفيت بالنظر إليها باستغراب ، ثم تركتها وانصرفت ، لكنها لم تتركني فأخذت تعلمني طوال العام تعاليم الدين ، وأشياء لم أتصور في يوم من الأيام أنها محرمة ، فالحجاب – مثلاً – لم أكن أعلم أنه فرض على كل مسلمة حتى أخبرتني بذلك ، ومما ساعدني على تقبّل نصائحها أنني كنت أحبها لأدبها وحيائها ، واجتهادها في الدراسة . وانتهى العام الدراسي ، وأحسست بالوحشة لابتعادي عنها ، وابتعدت رويداً رويداً عن الاهتمام بالحجاب ، وكنت أنظر إلى الفتيات المحجبات وأتمنى أن أكون مثلهن وأن أغطي وجهي ، كما كنت – في الوقت نفسه – أنظر إلى الفتيات السافرات فأطمح أن أكون مثلهن في اهتمامهن بأنفسهن وحركتهن .. أصبحت هكذا في دوامة إلى أن سافرنا مع والدي إلى السعودية وهي البلد الوحيد حسب علمي الذي ليس فيه مدارس مختلطة في جميع المراحل الدراسية . . كنت آنذاك قد نجحت إلى الصف الثالث ، فالتحقت بإحدى المدارس الثانوية للبنات فرأيت الفتيات وجمالهن في المدرسة ومدى الحرية التي يتمتعن بها حيث يتعلمن ويسرحن ويمرحن دون أن ينظر إليهن رجل ثم يخرجن من المدرسة وهن يرتدين الحجاب ويغطين وجوههن ،.. تأثرت كثيراً بهذا المنظر الرائع ، وعند ما خرجت من المدرسة وأنا أغطي وجهي كنت في غاية السعادة وكأنني ملكة قد لبست أفخر الثياب . وفي العطلة الصيفية كنا نخرج أنا وأسرتي إلى السوق لشراء بعض الحاجات ، فيبهرني ما فيه من الحياة الناعمة ، والسيارات الفاخرة ، و ( الاكسسوارات ) والذهب والملابس ، وسائر المتع والملذات الدنيوية ، الزائفة ، فقد كان لها في عيني بريق خاص ، فقلت لنفسي ، لا بد أن أحقق أمنياتي ؛ وهي أن أكون (فنانة ) ؛ ممثلة .. أو مغنية .. أو ملحنة .. أو مضيفة في طائرة ... هذا ما كانت تحدثني به نفسي الأمارة بالسوء ، وحينما أعود إلى البيت أتخيل نفسي وقد أصبحت ثرية ، وتأخذني الأماني الكاذبة ، والدنيا بزخرفها الزائل .. وبعد انتهاء الإجازة الصيفية ، عدنا إلى المدرسة ، وكنت قد أعدت السنة بسبب بعض الظروف المتعلقة بانتقالنا من مصر ، وفي المدرسة بدأت أكوّن صداقات كثيرة مختلفة ، وأثناء الفسحة المدرسية أجلس في مصلى المدرسة لأستمع إلى الدروس والندوات التي تُلقى ، فأخرج منها في كثير من الأحيان وأنا باكية وفي داخلي عزم أكيد على أن أكون صالحة مستقيمة ، وميزتي أنني لا أكره النصيحة ، بل هي شيء محبب إلى نفسي وخاصة إذا صدرت من أهل الدين والصلاح أو كبار السن المتدينين ، فتظل عالقة في ذهني أتذكرها دائماً ، وأعمل بها بكل صدق وأمانة قدر طاقتي ووسعي .. هذه الحياة المدرسية القصيرة التي لم تتجاوز الأشهر جعلتنني أفكر كثيراً ، وأعرف الكثير عن ديني .. حلاله وحرامه .. كنت – مثلاً – أعتقد وأنا في مصر أن غطاء الوجه فضيلة وليس بواجب ن ولكن عند ما قدمت إلى هذه البلاد ، وبسماعي للأشرطة وقراءتي للكتب ؛ عرفت أنه واجب ، وعند ما دخلت هذه الكفرة في رأسي ، واقتنعت بها ؛ فكرت أن ألبس الحجاب المصري ( وهو خمار فوق الرأس إلى منتصف الجسد ثم تحته فستان واسع ) ولكني سمعت شيخاً يقول إن الحجاب لا بد أن يكون من أول الرأس إلى أسفل القدمين قطعة واحدة فيغطي جميع البدن [9] ، عندها صممت أن ألبس العباءة .. لا لأكون سعودية ، بل لأكون مسلمة حقيقة أتّبع ما يريده الله عز وجل .. ولكني بعد هذا التغُّير الذي طرأ على حياتي ؛ سألت نفسي مرة : كيف أغطي وجهي وألبس العباءة وأنا أريد أن أكون فنانة ومضيفة .. ؟! فقلت لنفسي : إني أحب التدين ، وإذا تزوجت أحب أن يكون زوجي صالحاً ، وأن يكون أولادي كذلك مثل أولاد المسلمين الأوائل . فإذا أصحبت فنانة ، فلا بد أن ينحرف أولادي ، وكذلك زوجي .. لا ، بل سيتعدى ذلك إلى إخواني البنين الذين هم في سن المراهقة ، وسيندمجون مع أولاد الطبقات الفاسدة التي لا تعرف إلا طريق الفساد والانحراف .. وأختي ، أكيد أنها ستنزع الحجاب ، وأمي ، وأبي . وإذا أصبحت مضيفة فمن يضمن لي ألا أحترق في الطائرة فأكون قد خسرت الدنيا والآخرة .. تساؤلات كثيرة ومثيرة كادت تحطم رأسي فأحس به يكاد ينفجر .. لقد تواردت عليَّ تلك التساؤلات دفعة واحدة ، فسيطرت على كياني وكأنها شبح يخنقني ، ولا يفارقني حتى وأنا أقوم ببعض أعمال البيت ، فأترك ما في يدي ، وأضرب رأسي بكفي ، وأقول : كفى .. كفى .. لن أتخلى عن الفن مهما كانت العواقب ... أحسست أن هناك صراعاً داخلياً في نفسي بين شخصيتين ؛ الأولى : تقول لي : إياك أن تبتعدي عن الفن ... إنه حلم حياتك .. إنه المجد والشهرة والغنى والسعادة ...! والثانية : تأمرني بأن أبتعد عن الفن ، وتقول لي : إياك إياك .. فإنه الخسران المبين ، وسوف تندمين . . واحتدم الصراع في داخلي ، حتى انتهيت إلى قرار يريحني ويرضاه عقلي ، وقبل ذلك يرضاه ربي وخالقي ... فقد رفضت أن أكون فنانة ماجنة ، أو دمية متحركة باسم الفن ، أو خادمة باسم مضيفة ، واستسلمت لله ، وقلت : ما أحلى الحياة مع الله والعيش في كنفه ، وسحقاً لهذه الدنيا الزائلة ، وملذاتها وبريقها الخادع : ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) ( النحل : 97) . وبعد هذا القرار أصبحت أكثر اطمئناناً .. لا أرهب الموت ، ولا أقيم للدنيا ووزناً .. أنظر إليها وكأن أجلي سيكون غداً أو في أقرب لحظة ، وكلما رأيت شيئاً جميلاً أو حديقة غناء أقول لنفسي الجنة أجمل وأدوم ، وكلما رأيت نفسي تجنح لسوء أو شيء يغضب الله عز وجل أتذكر على الفور جنة الخلد ونعيمها السرمدي الأبدي ، وأتذكر لسعة النار على يدي فأفيق من غفلتي .. هكذا كنت أدرِّب نفسي بنفسي على تقوى الله عز وجل والخوف منه .. وكما كنت في الماضي أتشوق إلى أن أكون داعية لديني ..والحمد لله أني تخلصت من كل ما يغضب الله عز وجل من مجلات ساقطة ، وروايات ماجنة وقصص تافهة ، أما أشرطة الغناء فقد سجلت عليها ما يرضي الله عز وجل من قرآن وحديث .. كل ذلك حدث بعد تأديتي فريضة الحج للمرة الثانية ، وقد أديت عمرتين في رمضان والله الحمد . أختي الفاضلة : ألا ترين أن الله كان معي حيث أنقذني من الضلال ، وجاء بي إلى هذه الأرض المقدسة ، ولبست الحجاب الشرعي ، وتخلصت من الأفكار الفاسدة التي كانت تجول في خاطري ..وأيضاً أصبحت حاجَّة ومعتمرة وأنا في زهرة شبابي .. حقيقية .. إنها نعم عظمية أجد نفسي عاجزة عن شكرها والثناء على مسديها سبحانه وتعالى مهما لهج لساني بشكره ، وكَلَّتْ جوارحي بالعمل فيما يرضيه .. وأخيراً ، نصيحة غالية أقدمها للفتاة السعودية : تمسكي بحجابك المميز ؛ فإنه رمز عفتك وشرفك ، وعزتك وجمالك الحقيقي ، وإياك أن تتخلي عنه مهما كانت الضغوط ومهما كانت الأحوال .. تمسكي به واحرصي عليه كحرصك على الحياة . أنت يا فتاة الجزيرة أكثر الفتيات حظاً في الدنيا – والآخرة إن شاء الله – لأنك أكثر فتاة في العالم تنعم بالحرية .. إنها حرية مع مراعاة حدود الله ، والدليل على ذلك أني مصرية ، وألبس النقاب في بلدي .. ألبسه في المحاضرات فتحتبس أنفاسي وأنا جالسة لمدة ساعتين أو أكثر بسبب الاختلاط ووجود الرجال ، أما أنت فتدخلين المدرسة أو الكلية وليس فيها رجل واحد ، فتكشفين وجهك وشعرك دون أن يعكر صفوك رجل يختلط بك . احذري أن تقول إن الفتاة المصرية أو غيرها تتمتع بالحرية .. لا وألف لا ، بل أنت التي تنعمين بأكبر قدر من الحرية والاحترام ، وأما حرية الفتاة المصرية – حرية الاختلاط والتبرج والسفور – فنحن لا نسميها حرية ، بل هي عبودية للنفس والهوى والشيطان ، ورق عصري في ثوب جديد حيث تتحول المرأة إلى دمية متحركة لا روح فيها ولا حياة . أختك في الله ..........مصر

توبة فتاة في روضة القرآن

تقول هذه التائبة : أنا طالبة في المرحلة الثانوية ، أعيش في دولة الإمارات العربية ولها معزة خاصة عندي ، ففي هذا البلد اختار الله لي طريق الهداية . منذ قدومي إلى هذه البلد الشيق وأنا قد عقدت حلفاً مع حضرة الأستاذ الموقر !! ( التلفزيون ) ... كنت لا أفارقه لحظة .. لا أترك مسلسلاً ولا برنامج أطفال ولا أغنية ولا تمثيلية إلا وأشاهدها ، فإذا ما جاء برنامج ثقافي أو ديني فسرعان ما أغلق الجهاز ، فتسألني أختي : لِمَ فعلتِ ذلك ؟! فأجيبها بخبث محتجة بكثرة الواجبات المدرسية والمنزلية ، فتقول لي : الآن تذكرتِ الواجبات !! أين كنت عند مشاهدتك لتلك المسلسلات والأغاني والبرامج التافهة ؟! فلا أرد عليها . أختي هذه كانت بعكسي تماماً .. منذ أن علمتها أمي الصلاة لم تتركها إلا لعذر شرعي ، أما أنا فلا أحافظ عليها ، بل لا أكاد أصليها إلا في الأسبوع مرة أو مرتين .. لقد كانت أختي تتجنب التلفاز بقدر الإمكان ، وقد أحاطت نفسها بصديقات صالحات يساعدنها على فعل الخير ، وقد بلغ من صلاحها أن خالتي لم أسقطت طفلها وهي في المستشفى وكانت في غيبوبة ؛ رأت أختي وهي تلبس ملابس بيضاء جميلة وهي تطمئنها ، فاستيقظت خالتي وهي سعيدة مطمئنة القلب . كانت دائماً تُذَكِّرني بالله وتعظني ، فلا أزداد إلا استكباراً وعناداً ، بل كانت ساعات جلوسي أمام التلفاز تزداد يوماً بعد يوم ، والتلفاز يتفنن في عرض أنواع من المسلسلات التافهة والأفلام الهابطة ، والأغاني الماجنة التي لم أدرك خطورتها إلا بعد أن هداني الله عز وجل ، فله الحمد وله الشكر . كنت أفعل ذلك كله وأنا في قرارة نفسي على يقين تام من أن ذلك حرام ، وأن طريق الهداية واضح لمن أراد أن يسلكه ، فكانت نفسي كثيراً ما تلومني ، وضميري يعذبني بشدة ، لا سيما وأن الأمر لم يكن مقتصراً على ارتكاب المعاصي بل تعداه إلى ترك الفرائض .. لذا كنت دائماً أتجنب الجلوس بمفردي ، حتى عندما أخلد إلى النوم والراحة فإني أحاول أن أشغل نفسي بكتاب أو مجلة حتى لا أدع مجالاً لتوبيخ النفس أو تأنيب الضمير . وظللت على هذه الحال مدة خمس سنوات حتى كان ذلك اليوم الذي اختاره الله لي فيه طريق الهداية . كنا في إجازة نصف السنة ، وأرادت أختي أن تلتحق بدورة في تحفيظ القرآن الكريم بإحدى الجمعيات الإسلامية ، فعرضت عليَّ أن أذهب معها ، فوافقت أمي ، ولكني رفضت .. بل رفضت بشدة ، وأقمت الدنيا وأقعدتها ، وقلت بأعلى صوتي : (( لا أريد الذهاب ) ... وكنت في قرارة نفسي عازمة على العكوف أمام ذلك الجهاز الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتي العابثة .. فما لي ولحلقات تحفيظ القرآن ..
حب القرآن وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
وحضر أبي .. فشكوت له ما حدث ، فقال : دعوها ، ولا تجبروها على الذهاب واتركوها على راحتها . . وكانت لي عند أبي معزة خاصة لأني ابنته الوسطى فليس لي سوى أختي الكبرى ، وأخي الذي يصغرني بكثير ، وقد قال ذلك وهو يظن أني محافظة على صلاتي ، ولم يكن يعلم بأن الأمر مختلف جداً .. صحيح أني لم أكن أكذب عليه حينما يسألني ( أصليتِ ؟) فأقول : نعم ... فقد استطعت أختي أن تخلصني من داء الكذب ، ولكن كنت أقوم فأصلي أمامه عندما يكون موجوداً ، فإذا ذهب إلى عمله تركت الصلاة ، وكان أبي يمكث في عمله من 3- 4 أيام . وذات يوم ، طلب مني أبي بلطف أن أرافق أختي ولو مرة واحدة ، فإن أعجبني الحال وإلا فلتكن المرة الأولى والأخيرة ، فوافقت لأني أحب أبي ولا أرد له طلباً .. وانطلقت إلى روضة القرآن .. وهناك .. رأيت وجوهاً متوضئة مشرقة بنور الإيمان ، وأعيناً باكية لم تدمن النظر إلى الحرام مثل ما كنت أفعل ؛ فتمالكني شعور فياض لا أستطيع له وصفاً .. شعور بالسعادة والرهبة ، يخالطه إحساس بالندم والتوبة ، وأحسست بأني قريبة من الله عز وجل ، فرقَّ قلبي ، وانهمرت دموعي ندماً على الأوقات التي ضيعتها في غير مرضاة الله .. أمام شاشة التلفاز ، أو في مجالس اللغو مع رفيقات السوء اللاتي لا هم لهن إلا القيل والقال .. كم كنت غافلة عن مثل هذه المجالس التي تحفها ملائكة الرحمن ، وتتنزل على أهلها السكينة والرحمة والإيمان . ( لقد منّ الله عليَّ بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمن ، ذقت فيها من نعمته ما لم أذقه قط في حياتي .. عشت في ظلال القرآن هادئة النفس ، مطمئنة السريرة ، قريرة الضمير ، وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة .. إلا بالرجوع إلى الله .. إن الحياة في ظلال القرآن نعمة ، نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها.. نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه .. ) [11] .. فما أروع العيش في ظلال القرآن . نعم .. لقد هداني الله عز وجل .. وقد كنت أبارزه بالعصيان ، وأقدم ما يرضي نفسي على ما يرضيه – سبحانه – وما يأمرني به الشيطان على ما يأمر به الواحد الديان . باختصار ؛ لقد كنت غافلة فأيقظني القرآن : (( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً )) ( الإسراء : 9) . واليوم ، أتساءل : كيف كنت سأقابل ربي لو لم يهدني .. حقاً إنني خجلة من نفسي ، وقبل ذلك من ربي ، وصدق القائل :
فيا عجباً كيف يعصي الإلــــهُ أم كيف يجحده الجاحد
ُوفي كــــــل شيء لــه آية تدل على أنـه واحدُ
أتوب إليك ربي ، واستغفرك ، إنك أنت التواب الرحيم .. أختي الحبيبة : حلقات تحفيظ القرآن بانتظارك فلا تترددي في الالتحاق بها والله يحفظك ويرعاكأختكِ / طالبة في المرحلة الثانويةالإمارات .
روب التخرج
لم تعرف ليلى كتّاب القرية كسائر الأطفال ،فلقد كانت بنت كبير الملّاك ، وكان أبوها يعتبرها ( ياسمينة البيت ) ، فكانت تنظر إلى القرية وأطفالها من برج عاجي وقد أقامت بينها وبينهم حاجزاً نفسياً رهيباً تبدو مظاهره في سور قصرها العالي ، وطبعها المتعالي .. استأجر لها والدها مدرِّسة تعلِّمها اللغة الأجنبية ، أما أزياء ملابسها فقد كانت تأتي خصيصاً من ( بيير كاردن ) و ( كرستيان ديور ) .. وفي مدرسة ( سان جورج ) كان محضِنها الأول . وكبرت ليلى ، وافتتنت بالثقافة الغربية أشد الافتتان ، وحينما حصلت على بعثة من الجامعة إلى ( السربون ) ؛ جعلت اسم الرسالة : ( أهمية الفكر الغربي في بناء الحضارة الإنسانية ) !!! . ومضى عليها ، في السربون أربع سنوات انتهت خلالها من الرسالة .. كانت كثيراً ما تحلم بحفل التخريج ، وروب التخرج ، وصوره التذكارية .. فها قد آن الآوان لشراء الروب لمثل هذا الحدث الهام في تاريخها الدارسي .. ونزلت إلى شوارع باريس لشراء الروب .. وأثناء رجوعها مرت على زميلها ( آن ) كي تشاركها الفرحة ، فسألتها آن : هل تعرفين يا ليلى حكاية هذا الروب ؟ . قال : لا .. لم أسأل نفسي يوماً ما هذا السؤال ، كل ما أعرفه أنه تقليد غربي .. قالت لها آن: لا يا ليلى .. لقد كانت جامعات الأندلس الإسلامية منارات في غرب أوروبا للعلم والثقافة ، وكان خريجوها – من أبناء الغرب – يلبسون الروب أو العباءة العربية حتى يتميزوا بأنهم النخبة في المجتمع الأوروبي بعلمهم وثقافتهم التي تلقوها على أيدي الأساتذة المسلمين .حتى أصبح تقليداً غربياً . كان وقع الإجابة بمثابة الصدمة بالنسبة لليلى ، وهي التي أضاعت حياتها منذ نعومة أظفارها في محاضن الفكر الغربي .. ابتداءً من ( سان جورج ) حتى ( السربون ) . تمتمت ليلى : نحن الأصل ؟!! نحن الأساس ؟!! . وتذكرت كلمات جدتها لها : (( يا بنيتي، إن الشخصية الإسلامية هي الشخصية السوية )) . وعادت ليلى من السربون وهي تحمل الشهادة .. ولكنها تحمل في داخلها غصة على مُلْك الأندلس المضاع .. وعلى سنوات قضتها في البحث عن أهمية الفكر الغربي .. عادت ليلى ولكن بفكر جديد ، ورسالة جديدة هي : كيف تعلم طالباتها في الجامعة أهمية الفكر الإسلامي في بناء الحضارة الإنسانية .. وكيف نجنب أطفالنا السلبيات التي وقعنا فيها . عادت ليلى ولم تعد تنظر إلى الكُتاب من برجها العاجي ، بل بنظرة كلها إكبار واحترام .. وتمر الأيام . وتتزوج ليلى ، وترسل أولادها إلى الكُتَّاب . حتى يستعدوا مجد الأجداد .. الغافقي وابن زياد
.

توبة فتاة جزائرية

تقول هذه الفتاة : نشأت في مجتمع يرى الناس فيه أن عبادة الله لا تتمثل إلا في أداء بعض الشعائر التعبدية كالصلوات الخمس وصوم رمضان والحج .. إلخ ، وهي مع هذا تقتصر على كبار السن والعجائز ، أما الصغار فلا أحد يأمرهم ولا ينهاهم . ودخلت المدرسة .. وبعد ثلاث سنوات من الدارسة ؛ رأيت تلميذتين فقط من قسمنا تؤديان الصلاة ، فحزَّ في نفسي ، وقلت لِمَ لا أصلي وقد تعلمت في المدرسة كيفية أداء الصلاة ، وعرفت أنها واجبة على كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً .. ومنذ ذلك اليوم بدأت أصلي ، ولكنَّ الصلاة وحدها لا تكفي ، لِمَ لا أحفظ شيئاً من القرآن ؟ .. لِمَ لا أرتدي الحجاب ؟ .. لمَِ أستمع إلى الغناء المحرم ، وأراه مباحاً ؟ .. لِمَ ..ولِمَ ... كل هذه الأفكار والخواطر كانت تتردد في ذهني .. ولما قاربت سن البلوغ – وكان ذلك عام 1980م، وهي السنة التي انتشرت فيها ظاهرة الحجاب (( إن صح التعبير )) [14] – رأيت أختين شقيقتين في مدرستنا ترتديان الحجاب ، فكنت أوليهما احتراماً بالغاً أكثر من غيرهما ، بيد أني لم أكن بعدُ أدرك كنه هذا الحجاب ، لكنني كنت محتارة ومرتابة فيما يقوله الناس عنه من أنه بدعة (!!! ) .. وإخفاء للحقائق والشخصية ( !! ) .. وهنا أتذكر حادثة وقعت لي بعد أن عرفت فرضية الحجاب ، وهي أن الشيطان تمثل لي في شخصية ابنة عم لي كانت تهوي الفسق والغناء الماجن ، ففي أحد الأيام عدت من المدرسة ؛ فسمعتها تطعن في الحجاب والمحجبات ، فقلت لها في غضب : أتقولين هذا ؟! .. فأنا أيضاً سأرتدي الحجاب ، فردت عليَّ بسخرية وخبث .. ولِمَ تخفين جمالك ؟! فأنت ما زلت صغيرة .. هذه الحادثة أثّرت في نفسي ، وجعلتني أتخذ قراراً بأن أرتدي الحجاب ، وفي أقرب وقت .. وبعد أيام ؛ زرت إحدى قريباتي ، ولما أردت الخروج إلى منزلي قدّمت لي جلباباً وخماراً .. لم أسألها عن السبب ، لأني أدركت أنها تدعوني لارتدائه ، ثم أردفَتْ قائلة : ربما يأتي يوم وتحتاجينه ... وتحق كلامها ، فجاء يوم وأردت الخروج ، فتذكرت الحجاب فلبسته دون تفكير ، وخرجت به لأدع الناس من حولي يندهشون ، ثم ينقلب هذا الاندهاش من البعض إلى سخرية واستهزاء .. لكنني وقد مضى على ارتدائي للحجاب خمسة أعوام ، أتذكر العامين السابقين لاحتجابي ، ولا أقول إلا الحق ، فخلالهما لم أذق طعم النوم لخوفي الشديد أن يتوفاني الله وأنا على تلك الحال ، فبأي وجه سأقابل ربي بعد سماعي لكلامه وعصياني له ، خاصة عند ما أستعرض سورة النور – وقد حفظتها ولله الحمد كاملة – وكذلك حين أتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات .. )) الحديث . وختاماً أقول لكل فتاة متبرجة : إلى متى ستظلين هدفاً للسهام المسمومة ، والأعين المحمومة .. أنسيت أن الله مطلع عليك .. أنسيت أم جهلت أم تجاهلت أن جمال المرأة الحقيقي في حجابها وحيائها وسترها .. ؟ !
أنسيت فاطمة التي لحجابها خضعت فرنسا والعصاة توترواثبتت على إيمانها وتسامقت كالنخلـة الشمَّاء ، لا تتأثـرُأنسيتها أنسيت كيف تحدثت عنها الوسائل كيف عزّ المَخبَرُ
هيا أختي المسلمة ، قومي وتوضئي وصلي ، وعاهدي الله أن تلتزمي بالحجاب .

توبة فتاة مستهترة

في هدأة الليل ، وسكون البحر ؛ كانت الباخرة المصرية ( سالم إكسبرس ) تمخر عباب البحر الأحمر متوجهة إلى الميناء المصري ، وعلى ظهرها قرابة 500 راكب ما بين غافل لاهٍ – وهم الأكثر – ومصلٍّ ساجد ، وأراد قبطان الباخرة اختصار الزمن ؛ فسلك طريقاً غير المعتاد ، فوقعت الكارثة حيث اصطدمت الباخرة ببعض الجبال المرجانية الحادة ، مما أدى إلى غرقها .. وقد نجا من نجا ، وهلك من هلك ، وكل ذلك بتقدير من الله عز وجل ، وله الحكمة البالغة سبحانه ، وقد كان لهذه الحادثة الأليمة وقع كبير في نفوس الكثيرين ، منهم صاحبة هذه القصة حيث تقول : أنا فتاة ، منّ الله عليّ بالهداية والاستيقاظ من الغفلة قبل فوات الأوان ، وإليكم قصتي لعل الله أن ينفع بها : حياتي كلها كانت مختلطة متبرجة ، عشتها كما أردتها لنفسي ، كان لي دخل شهري جيد أتقاضاه من عملي ، ولكن الله نزع منه البركة فلم انتفع به نفعاً يذكر .. فقد كنت أنفق ثلاثة أرباعه في شراء الملابس الضيقة والقصيرة ، وأصباغ المكياج التي ألطخ بها وجهي كلما أردت الخروج ، ولا أشتري إلى أغلى العطورات الفواحة لدرجة أن بعض جيراني ورفقائي من (( الجنسين )) ( !!! ) كانوا يتنبئون بمقدمي من رائحة عطري الفواحة التي تُشم من على بُعد [16] . .. كنت مغرمة باتباع ما تجلبه ( الموضة ) من قصات الشعر وتسريحاته ، ولا أرضى بعمل تسريحات شعري إلا عند ( الكوافير ) الذي لا يعمل به إلا الرجال ( !!! ) .. وكانت لي رحلات تنزه مختلطة كنا نقضيها في المزاح والغناء المحرم .. .وهذا والله ما يريده أعداء الإسلام من شباب المسلمين يريدون منهم أن يكونوا كالبهائم العجماوات .. لا همّ لهم إلا البحث عن الشهوات [17] . واذكر مرة أني كنت في رحلة مختلطة ، فكنا نغني ونسرد أنواع النكت والأهازيج .. مما جعل سائق الحافلة بتضجر وينزعج من أصواتنا العالية ، وأخذ ينظر إلينا بعين السخرية ، وأراد مرة أن يختبرنا فقال : هل أنتم تجيدون حفظ جميع الأغاني ؟ قلت له وبكل ثقة : نعم .. هل تريدني أن أغني لك ؟ لكنه لم يجبني ، ثم عاد وسأل مرة ثانية : هل تعرفون إجابة كل شيء ؟ .. قلنا جميعاً وبثقة متناهية : نعم نحن نعرف كل شيء .. فقال : إذن سأطرح عليكم سؤالاً فأجيبوني عليه : كم عدد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ . فتلعثمنا جميعاً ، ولم يستطع أحد منا الإجابة على هذا السؤال لجهلنا التام بالجواب .. إنها والله الحقيقة غير مبالَع فيها .. فأنا لم أستطع الجواب لأني كنت أسخر من الإخوة الذين باعوا هذه الدنيا الفانية بالآخرة الباقية ، وأستهزيء بالمحجبات ، وأطلق عليهن عبارات السخرية بملابسهن المحتشمة .. وظللت على حالتي هذه إلى أن جاء موعد سفري إلى السعودية للعمل فيها ، وهناك ؛ فوجئت بأن النساء كلهن يرتدين الحجاب الكامل .. ظننت لأول وهلة أنه زِي ترتديه الموظفات عند خروجهن إلى العمل وسرعان ما يخلعنه في السوق أو الشارع .. فإذا بي أفاجأ بهن وهن يلبسنه في كل مكان بلا استثناء .. والله لم أكن أتصور أنه يوجد أحد في هذه الدنيا على مثل هذه الهيئة من الستر والاحتشام . وبعد فترة وجيزة من قدومي قابلت في عملي أختاً صالحة تعرف من الدين ما قُدِّر لها معرفته ، فكانت تأمرني بالحجاب الشرعي ، فكنت أسخر منها ، ولا أطيق الجلوس معها لكثرة كلامها عن الدين والحجاب ، وعلى الرغم من نفوري منها إلا أنها لم تيأس من نصحي وتذكيري وإهدائي بعض الأشرطة والكتيبات النافعة التي يحتاجها أمثالي ، حتى بدأت أميل بعض الشيء إلى كلامها . ودارت الأيام ، ورزقني الله بزوج صالح يعرف الله جيداً ، فأخذ يرغبني في الله ، ويأمرني بالصلاة ، فتأثرت بكلامه ، واستطاع بأسلوبه الطيب أن يجذبني إلى طريق الإيمان ويحببه إليَّ ، وإن كنت لما ألتزم بعدُ التزاماً كاملاً .. فبينا أنا كذلك ؛ إذ هز مسامعي وزلزل كياني خبر كان وقعه عليَّ كالصاعقة .. إنه خير تحطم الباخرة المصرية (( سالم إكسبريس )) وغرقها في عمق البحر الأحمر .. لقد أحدث هذا الخبر هزة عنيفة في نفسي لم أتمالك معها عيناي حتى ذرفتُ دموعاً حارة ، وبكيت بكاءً مريراً ، فاستيقظت أخيراً من غفلتي ، وسألت نفسي سؤالاً صريحاً : إلى متى الغفلة ؟ إلى متى أظل أسيرة الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء ؟؟ .. ودارت في مخيلتي أسئلة كثيرة من هذا القبيل ، وبعد لحظات من التفكير ومحاسبة النفس ؛ نهضت مسرعة إلى تلك الأخت الفاضلة ( التي كنت أكره الجلوس معها سابقاً ) وبحوزتي جميع الأشرطة الغنائية التافهة فأعطيتها إياها للتسجيل عليها من تلاوات وخطب ومحاضرات إسلامية .. وأعلنت توبتي النصوح ، وعاهدت ربي أن يكون هدفي في هذه الدنيا هو إرضاء الله عز وجل والاستقامة على دينه ، وحقيقة ، لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أني سأرتدي الحجاب أو أقلع عن التعطر عند الخروج من المنزل ووضع المكياج ، وإني لأحمد الله عز وجل حمداً كثيراً على هدايتي واستيقاظي من غفلتي قبل حلول أجلي .. والله الموفق .
عبرات تائبة
يا إلهي ..جاء بي حَرُّ ذنوبي جاء بي خوفُ مصيري ..ساقني - يا رب – تأنيبُ ضميري ..ألهبت قلبي سياطُ الخوف من يوم رهيب ..كادتا عيناي أن تبيضَّ من فرط نحيبي ..(( آه .. يا مولاي ما أعظم حُوبي )) يا إلهي :أنت لا تطرد من جاءك يبكي .. وأنا ذي سوف أحكي ..أنا لا أعلم ما تعلم عني .. أنت أدرى ..غير أني .. بؤت - يا رب – بما قد كان مني ..فاعفُ عني .. لا تُهنِّي .. ولِنفسي لا تكلني ..أنا سافرت مع الشيطان في كل الدروب .. غير درب الحق ما سافرت فيه ..كان إبليس معي في درب تيهي .. يجتبيني ..وأنا - يا لَغبائي – أجتبيهِ..كان للشيطان من حوليَ جندٌ خدعوني .. غرَّروا بي ..وإذا فكرت في التوبة قالوا : لا تتوبي .. ربنا ربُّ قلوب !!(( آه . يا مولايَ ما أعظم حُوبي ) ..غرَّني – يا رب – مالي .. وجمالي .. وفراغي .. وشبابي ..زيَّن الفجار لي حرق حجابي .يا لَحمقى .. كيف مزقت وقصَّرت ثيابي ؟!أين عقلي ؟! .. حينما فتَّحتُ للموضة شُبَّاكي وبابي ..أنا ما فكرتُ في أخذ كتابي .. بيميني .. أو شمالي .. أنا ما فكّرت في كَيِّ جياهٍ وجُنوب ..( آه . يا مولاي ما أعظم حُوبي .. ) . يا إلهي .. أنا ما فكرتُ في يوم الحساب .. حينما قدَّمني إبليس شاة للذئاب ..يا لَجهلي .. ! كيف أقدمتُ على قتل حيائي .. ؟!وأنا أمقتُ قتل الأبرياء ..يا إلهي .. أنت من يعلم دائي .. ودوائي ..لا أريد الطب من أي طبيب .. أنت لي أقرب من كل قريب ..آه .. يا مولاي ما أعظم حُوبي ... ) .يا إلهي .. إهدِ من سهَّل مشوار غيي ..فلقد حيّرني أمر وليِّي .. أغبيٌّ ساذج أم متغابي .لم يكن يسأل عن سرّ غيابي .. عن مجيئي وذهابي . .لم يكن يعنيه ما نوع صِحابي ..كان معنياً بتوفير طعامي وشرابي .جاء لي بـ ( السائق الهندي ) في عزِّ الشباب ..يتمشى بيَ في الأسواق من غير رقيب ...مِشيتي مِشية حمقاءَ لعوب .. أسلب الألباب من كل لبيب .. أشتري النار بمكياجي وطيبي ..(( آه .. يا مولاي ما أعظم حُوبي .. )يا إلهي .. يا مجيب الدعوات .. يا مُقيل العثرات ..أعفُ عني .. أنت من أيقظ قلبي من سُبات ..وأنا عاهدت عهد المؤمنات .. أن تراني ..بين تسبيح وصوم وصلاة ..يا إلهي .. جئتُ كي أعلن ذلي واعترافي ..أنا ألغيت زوايا إنحرافي .. وتشبثتُ بطهري وعفافي ..أنا لن أمشيَ بعد اليوم في درب الرذيلة ..جرَّب الفجّار كي يردونني .. كلَّ وسيلة ..دبَّروا لي ألف حيلة ..فليُعِدُّوا لقتالي ما استطاعوا . .فأمانيهم بقتلى مستحيلة ..يا إلهي .. جئت بالثوب الذي أذنبت فيه ..وأنا آمل في ثوب قشيب . من سميع قادر بَرٍ مجيب .تُبتُ يا رحمن فارحم عبراتي وشحوبي ..واغسلنْ بالعفو يا مولاي حُوبي.
-------------------------[1] - انظر مجلة الإصلاح ، العدد / 206 ، وجريدة المسلون 414 ( باختصار ) . [2] - المسلمون ، العدد / 423 ( بتصرف ) . [3] - لا يجوز الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي . [4] - انظر مجلة الإصلاح ، العدد / 245( باختصار وتصرف ) . [5] - المسلمون 437 . [6] - في اعتراف جريء لمحامية أخرى مشهورة زاولت هذه المهنة أكثر من عشر سنوات قالت ( إني أعلن بصراحة أن النيابة والمحاماة تتنافيان مع طبيعة المرأة وتتعارضان مع مصلحتها .. ) إلى أن قالت : ( ولقروية ساذجة في حجرها طفل أفضل للأمة من ألف نائبة وألف محامية ، وحكمة الله فيكن أن تكون أمهات )) . راجع كتابي اعترافات متأخرة . [7] - انظر جريدة المسلمون ، العدد 365 ( باختصار وتصرف ) . [8] - كتبتها لي بنفسها . [9] - هذا هو الجلباب المذكور في القرآن وهو يشبه العباءة ، أما الوجه فيُغطى بالخمار لقوله تعالى : ( وليضربن بِخُمُرِهنّ على جيوبهن ) . [10] - كتبتها لي بنفسها . [11] - انظر مقدمة ( في ظلال القرآن ) لسيد قطب ، ( بتصرف ) . [12] - جريدة المدينة عدد / 9303، بقلم : عبد الوهاب عبد الرحمن ( بتصرف ). [13] - كتبتها لي بنفسها . [14] - يراجع حول هذا الموضوع كتاب ( عودة الحجاب ) لمحمد المقدم ، فهو كتاب قيم جداً . [15] - كتبتها لي بنفسها . [16] - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل عين زانية ، والمرأة إذا استعطرت فمرت على قوم ليجدوا رائحتها فهي زانية )) رواه الثلاثة وصححه الترمذي . [17] - لما عجز المنصرون عن تنصير المسلمين في مصر والبلاد العربية ؛ وقف أحد زعمائهم ليقول لهم : (( ليست مهمتكم هي إدخال المسلمين في المسيحية ، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً .. إن مهمتكم أن تخرجوا المسلمين من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها .. إلى أن قال : إنكم أعددتم نشأ لا يعرف الصلة بالله ، ولا يريد أن يعرفها .. لا يهتم بعظائم الأمور ، ويحب الراحة والكسل ، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب ، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات ، وإذا جمع المال فللشهوات ؛ وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات .. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات .. )) . [18] - مجلة الدعوة ، العدد / 1407.
نقله / عماد حمدي ناصف من موقع فضيلة الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند

The Admin

The Admin
Emad Hamdy

الإسلام قادم