الثلاثاء، 15 يوليو 2008

من علوم الحديث

تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم,

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كذب على فليتبوا مقعده من النار) قال الإمام النووى فى شرح مسلم : ‏ فهو حديث عظيم في نهاية من الصحة و قيل إنه متواتر ذكر أبو بكر البزار في مسنده أنه رواه عن النبي عليه السلام نحو من أربعين نفسا من الصحابة - رضي الله عنهم – و حكى الإمام أبو بكر الصيرفي في شرحه لرسالة الشافعي - رحمهما الله - أنه روى عن أكثر من ستين صحابيا مرفوعا و ذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن منده عدد من رواه فبلغ بهم سبعة و ثمانين ثم قال : و غيرهم , و ذكر بعض الحفاظ أنه روي عن اثنين و ستين صحابيا و فيهم العشرة المشهود لهم بالجنة , قال : و لا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة إلا هذا و لا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيا إلا هذا , و قال بعضهم : رواه مائتان من الصحابة ثم لم يزل في ازدياد و قد اتفق البخاري و مسلم على إخراجه في صحيحيهما من حديث علي والزبير وأنس وأبي هريرة وغيرهم وأما إيراد أبي عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين حديث أنس في أفراد مسلم فليس بصواب , فقد اتفقا عليه ‏و أما لفظ متنه فقوله صلى الله عليه وسلم :‏( فليتبوأ مقعده من النار ) ‏قال العلماء : معناه فلينزل : و قيل فليتخذ منزله من النار , و قال الخطابي : أصله من مباءة الإبل و هي أعطانها ثم قيل : إنه دعاء بلفظ الأمر أي بوأه الله ذلك , و كذا فليلج النار , وقيل : هو خبر بلفظ الأمر أي معناه : فقد استوجب ذلك فليوطن نفسه عليه , ويدل عليه الرواية الأخرى ( يلج النار ) وجاء في رواية ( بني له بيت في النار ) . ثم معنى الحديث : أن هذا جزاؤه وقد يجازى به , وقد يعفو الله الكريم عنه ولا يقطع عليه بدخول النار , و هكذا سبيل كل ما جاء من الوعيد بالنار لأصحاب الكبائر غير الكفر , فكلها يقال فيها هذا جزاؤه وقد يجازى وقد يعفى عنه , ثم إن جوزي وأدخل النار فلا يخلد فيها ; بل لا بد من خروجه منها بفضل الله تعالى ورحمته و لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد . و هذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة. ‏‏و الكذب فهو عند المتكلمين من أصحابنا : الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو , عمدا كان أو سهوا , هذا مذهب أهل السنة , وقالت المعتزلة : شرطه العمدية و دليل خطاب هذه الأحاديث لنا , فإنه قيده عليه السلام بالعمد لكونه قد يكون عمدا و قد يكون سهوا , مع أن الإجماع والنصوص المشهورة في الكتاب و السنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسي , فلو أطلق عليه السلام الكذب لتوهم أنه يأثم الناسي أيضا فقيده . ‏‏وأما الروايات المطلقة فمحمولة على المقيدة بالعمد . والله أعلم ‏‏و اعلم أن هذا الحديث يشتمل على فوائد و جمل من القواعد : ‏‏إحداها : تقرير هذه القاعدة لأهل السنة أن الكذب يتناول إخبار العامد و الساهي عن الشيء بخلاف ما هو . ‏‏الثانية : تعظيم تحريم الكذب عليه صلى الله عليه و سلم و أنه فاحشة عظيمة و موبقة كبيرة و لكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله . هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف .
‏ثم إن من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا في حديث واحد فسق و ردت روايته كلها و بطل الاحتجاج بجميعها , فلو تاب و حسنت توبته , فقد قال جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل و أبو بكر الحميدي شيخ البخاري و صاحب الشافعي وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعيين و أصحاب الوجوه منهم و متقدميهم في الأصول والفروع : لا تؤثر توبته في ذلك و لا تقبل روايته أبدا , بل يحتم جرحه دائما , و أطلق الصيرفي و قال : كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب و جدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك , قال : و ذلك مما افترقت فيه الرواية و الشهادة و لم أر دليلا لمذهب هؤلاء و يجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا و زجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه و سلم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره و الشهادة , فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة . قلت : و هذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية و المختار القطع بصحة توبته في هذا , و قبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة , و هي الإقلاع عن المعصية و الندم على فعلها و العزم على أن لا يعود إليها فهذا هو الجاري على قواعد الشرع , و قد أجمعوا على صحة رواية من كان كافرا فأسلم و أكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة , و أجمعوا على قبول شهادته و لا فرق بين الشهادة و الرواية في هذا
‏الثالثة : أنه لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام و ما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب و المواعظ وغير ذلك فكله حرام من أكبر الكبائر و أقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع , خلافا للكرامية الطائفة المبتدعة في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب , وتابعهم على هذا كثيرون من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد أو ينسبهم جهلة مثلهم , وشبهة زعمهم الباطل أنه جاء في رواية : من كذب علي متعمدا ليضل به فليتبوأ مقعده من النار . وزعم بعضهم أن هذا كذب له عليه الصلاة والسلام لا كذب عليه , وهذا الذي انتحلوه وفعلوه واستدلوا به غاية الجهالة ونهاية الغفلة , وأدل الدلائل على بعدهم من معرفة شيء من قواعد الشرع , وقد جمعوا فيه جملا من الأغاليط اللائقة بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة الفاسدة فخالفوا قول الله عز وجل : ( و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) , وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور , وخالفوا إجماع أهل الحل والعقد . وغير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي , وإذا نظر في قولهم وجد كذبا على الله تعالى , قال الله تعالى : ( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ومن أعجب الأشياء قولهم : هذا كذب له , وهذا جهل منهم بلسان العرب وخطاب الشرع فإن كل ذلك عندهم كذب عليه
أما الحديث الذي تعلقوا به ; فأجاب العلماء عنه بأجوبة أحسنها وأخصرها أن قوله ليضل الناس , زيادة باطلة اتفق الحفاظ على إبطالها وأنها لا تعرف صحيحة بحال
‏الثاني : جواب أبي جعفر الطحاوي أنها لو صحت لكانت للتأكيد كقول الله تعالى : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس )
‏الثالث : أن اللام في ليضل ليست لام التعليل بل هي لام الصيرورة والعاقبة , معناه أن عاقبة كذبه ومصيره إلى الإضلال به كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا)و نظائره في القرآن و كلام العرب أكثر من أن تحصر و على هذا يكون معناه فقد يصير أمر كذبه إضلالا , وعلى الجملة مذهبهم أرك من أن يعتني بإيراده و أبعد من أن يهتم بإبعاده وأفسد من أن يحتاج إلى إفساده .
‏الرابعة : يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه و لم يبين حال روايته وضعه فهو داخل في هذا الوعيد , مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويدل عليه أيضا الحديث ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) ‏و لهذا قال العلماء : ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره أن ينظر فإن كان صحيحا أو حسنا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعله أو نحو ذلك من صيغ الجزم وإن كان ضعيفا فلا يقل : قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم بل يقول : روي عنه كذا أو جاء عنه كذا أو يروى أو يذكر أو يحكى أو يقال أو بلغنا وما أشبهه .
‏قال العلماء : وينبغي لقارئ الحديث أن يعرف من النحو واللغة وأسماء الرجال ما يسلم به من قوله ما لم يقل , وإذا صح في الرواية ما يعلم أنه خطأ فالصواب الذي عليه الجماهير من السلف و الخلف أنه يرويه على الصواب و لا يغيره في الكتاب , لكن يكتب في الحاشية أنه وقع في الرواية كذا و أن الصواب خلافه و هو كذا , ويقول عند الرواية : كذا وقع في هذا الحديث أو في روايتنا والصواب كذا , فهو أجمع للمصلحة فقد يعتقده خطأ و يكون له وجه يعرفه غيره و لو فتح باب تغيير الكتاب لتجاسر عليه غير أهله ‏‏قال العلماء : وينبغي للراوي وقارئ الحديث , إذا اشتبه عليه لفظة فقرأها على الشك أن يقول عقبه أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
عماد حمدي ناصف

ليست هناك تعليقات:

The Admin

The Admin
Emad Hamdy

الإسلام قادم